{ وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء } من الكلام، لأنَّه لا يَفْهم ولا يُفهم عنه { وهو كَلٌّ } ثِقْلٌ ووبالٌ { على مولاه } صاحبه وقريبه { أينما يوجهه } يرسله { لا يأت بخير } لأنَّه عاجزٌ لا يَفهم ما يقال له، ولا يُفهم عنه { هل يستوي هو } أَيْ: هذا الأبكم { ومَنْ يأمر بالعدل } وهو المؤمن يأمر بتوحيد الله سبحانه { وهو على صراط مستقيم } دينٍ مستقيمٍ، يعني: بالأبكم أُبيَّ بن خلف، وكان كلاًّ على قومه؛ لأنَّه كان يؤذيهم، ومَن يأمر بالعدل حمزة بن عبد المطلب. { ولله غيب السمٰوات والأرض } أَيْ: علم ما غاب فيهما عن العباد { وما أمر الساعة } يعني: القيامة { إلاَّ كلمح البصر } كالنَّظر بسرعةٍ { أو هو أقرب } من ذلك إذا أردناه، يريد: إنه يأتي بها في أسرع من لمح البصر إذا أراده. { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } أَيْ: غير عالمين { وجعل لكم السَّمْعَ والأبصار } أَيْ: خلق لكم الحواسَّ التي بها يعلمون، ويقفون على ما يجهلون. { ألم يروا إلى الطير مسخرات } مذلَّلاتٍ { في جوِّ السماء } يعني: الهواء، وذلك يدلُّ على مُسخِّرٍ سخَّرها، ومدبِّرٍ مكَّنها من التَّصرُّف { ما يُمسكهنَّ إلاَّ الله } في حال القبض والبسط والاصطفاف. { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } موضعاً تسكنون فيه، ويستر عوراتكم وحرمكم، وذلك أنَّه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت { وجعل لكم من جلود الأنعام } يعني: الأنطاع والأدم { بيوتاً } وهي القباب والخيام { تستخفونها يوم ظعنكم } يخفُّ عليكم حملها في أسفاركم { ويوم إقامتكم } لا يثقل عليكم في الحالتين { ومن أصوافها } يعني: الضَّأن { وأوبارها } يعني: الإِبل { وأشعارها } ، وهي المعز { أثاثاً } طنافس وأكسية وبُسطاً { ومتاعاً } تتمتَّعون به { إلى حين } البلى. { والله جعل لكم مما خلق } من البيوت والشَّجر والغمام { ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً } يعني: الغِيران والأسراب { وجعل لكم سرابيل } قمصاً { تقيكم الحر } تمنعكم الحرَّ والبرد، [فترك ذكر البرد]؛ لأنَّ ما وقى الحرَّ وقى البرد، فهو معلوم { وسرابيل } يعني: دروع الحديد { تقيكم } تمنعكم { بأسكم } شدَّة الطَّعْن والضَّرب والرَّمي { كذٰلك } مثل ما خلق هذه الأشياء لكم { يتمُّ نعمته عليكم } يريد: نعمة الدُّنيا، والخطاب لأهل مكَّة { لعلَّكم تسلمون } تنقادون لربوبيته فتوحِّدونه. { فإن تولوا } أعرضوا عن الإِيمان بعد البيان { فإنما عليك البلاغ المبين } وليس عليك من كفرهم وجحودهم شيء.