{ وإلى مدين } ذكرنا تفسير هذه الآية في سورة الأعراف، وقوله: { إني أراكم بخير } يعني: النِّعمة والخصب، يقول: أيُّ حاجةٍ بكم إلى التَّطفيف مع ما أنعم الله سبحانه به عليكم من المال ورخص السِّعر { وإني أخاف عليكم عذاب يومٍ محيط } يُوعدهم بعذابٍ يُحيط بهم فلا يفلت منهم أحدٌ. { ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط } أَتِمّوهما بالعدل. { بقية الله } أَيْ: ما أبقى الله لكم بعد إيفاء الكيل والوزن { خير لكم } من البخس، يعني: من تعجيل النَّفع به { إن كنتم مؤمنين } [مُصدِّقين] في نعمه. شَرَطَ الإِيمانَ لأنَّهم إنَّما يعرفون صحَّة ما يقول إذا كانوا مؤمنين { وما أنا عليكم بحفيظ } أَيْ: لم أُؤمر بقتالكم وإكراهكم على الإِيمان. { قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا } يريدون: دينُك يأمرك، أَيْ: أفي دينك الأمر بذا؟ { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } من البخس والظُّلم، ونقص المكيال والميزان { إنك لأنت الحليم الرشيد } أيْ: السَّفيه الجاهل، وقالوا: الحليم الرَّشيد على طريق الاستهزاء. { قال يا قوم أرأيتم } أعلمتم { إن كنت على بينة من ربي } بيانٍ وحجَّةٍ من ربي { ورزقني منه رزقاً حسناً } حلالاً، وذلك أنَّه كان كثير المال، وجواب " إنْ " محذوف على معنى: إنْ كنت على بيِّنةٍ من ربي ورزقني المال الحلال أتَّبع الضَّلال فأبخس وأُطفف؟ يريد: إنَّ الله تعالى قد أغناه بالمال الحلال، { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } أَيْ: لست أنهاكم عن شيءٍ وأدخل فيه، وإنَّما أختار لكم ما أختار لنفسي { إن أريد } ما أريد { إلاَّ الإصلاح } فيما بيني وبينكم بأن تعبدوا الله وحده، وأَنْ تفعلوا ما يفعل مَنْ يخاف الله { ما استطعت } أَيْ: بقدر طاقتي، وطاقة الإِبلاغ والإِنذار، ثمَّ أخبر أنَّه لا يقدر هو ولا غيره على الطَّاعة إلاَّ بتوفيق الله سبحانه، فقال: { وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب } أرجع في المعاد. { ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي } لا يكسبنَّكم خلافي وعداوتي { أن يصيبكم } عذاب العاجلة { مثل ما أصاب قوم نوحٍ } من الغرق { أو قوم هود } من الرِّيح العقيم { أو قوم صالح } من الرَّجفة والصِّيحة { وما قوم لوط منكم ببعيد } في الزَّمان الذي بينكم وبينهم وكان إهلاكهم أقربَ الإِهلاكات التي عرفوها. { واستغفروا ربكم } اطلبوا منه المغفرة { ثمَّ توبوا إليه } توصَّلوا إليه بالتَّوبة { إنَّ ربي رحيم } بأوليائه { ودودٌ } محبٌّ لهم.