{ ألا إنهم يثنون صدورهم } نزلت في طائفةٍ من المشركين قالوا: إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وطوينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم كيف يعلم ربُّنا؟ فأنزل الله تعالى: { ألا إنهم يثنون صدورهم } أَيْ: يعطفونها ويطوونها على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم { ليستخفوا منه } ليتواروا عنه ويكتموا عداوته { ألا حين يستغشون ثيابهم } يتدثَّرون بها { يعلم ما يسرون وما يعلنون } أعلم الله سبحانه أنَّ سرائرهم يعلمها كما يعلم مظهرهم { إنه عليم بذات الصدور } بما في النُّفوس من الخير والشَّرِّ. { وما من دابة } حيوانٍ يدبُّ { في الأرض إلاَّ على الله رزقها } فضلاً لا وجوباً { ويعلم مستقرها } حيث تأوي إليه { ومستودعها } حيث تموت { كلٌّ في كتاب مبين } يريد: اللَّوح المحفوظ، والمعنى: أنَّ ذلك ثابتٌ في علم الله. { وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } ذكرنا تفسيره في سورة الأعراف { وكان عرشه على الماء } يعني: قبل خلق السَّموات والأرض { ليبلوكم } أَيْ: خلقها لكم لكي يختبركم بالمصنوعات فيها من آياته؛ ليعلم إحسان المحسن وإساءة المسيء، وهو قوله تعالى: { أيكم أحسن عملاً } أَيْ: أَعملُ بطاعة الله تعالى. { ولئن قلت } للكفَّار بعد خلق الله السَّموات والأرض وبيان قدرته { إنكم مبعوثون من بعد الموت } كذَّبوا بذلك وقالوا: { إن هذا إلاَّ سحر مبين } أَيْ: باطلٌ وخداعٌ. { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } إلى أجلٍ وحينٍ معلومٍ { ليقولَّن ما يحبسه } ما يحبس العذاب عنا؟ تكذيباً واستهزاء، فقال الله سبحانه: { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم } إذا أخذتهم سيوف المسلمين لم تغمد عنهم حتى يُباد الكفر، وتعلوَ كلمة الإِخلاص { وحاق } نزل وأحاط { بهم } جزاء { ما كانوا به يستهزئون } وهو العذاب والقتل. { ولئن أذقنا الإِنسان } يعني: الوليد بن المغيرة { منَّا رحمة } رزقاً { ثمَّ نزعناها منه إنَّه ليؤسٌ } مُؤْيَسٌ قانطٌ { كَفُور } كافرٌ بالنِّعمة. يريد: إنَّه لجهله بسعة رحمة الله يستشعر القنوط واليأس عند نزول الشِّدَّة. { ولئن أذقناه نعماء... } الآية. معناه: إنَّه يبطر فينسى حال الشِّدَّة، ويترك حمد الله على ما صرف عنه، وهو قوله: { ليقولنَّ ذهب السيئات عني } فارقني الضُّرُّ والفقر { إنه لفرحٌ فخورٌ } يُفاخر المؤمنين بما وسَّعَ الله عليه، ثمَّ ذكر المؤمنين فقال: { إلاَّ الذين صبروا } والمعنى: لكن الذين صبروا على الشِّدَّة والمكاره { وعملوا الصالحات } في السَّراء والضرَّاء.