الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

ولما قالوا: كيف يضرب الله الأمثال بالصَّيبِ والمُسْتَوْقدِ والعَنكَبُوْت نزل: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى } أي: لا يترك ترك المستحي، إذِ الحَياءُ: انقباض النفس من القبيح مخافة الذم، وهو -تعالى- مُنزَّه عنه، وأَصلُهُ التَّهيُّبُ، وآقره على الترك مبالغة أو مماثلة لكلام الكفرة { أَن يَضْرِبَ } يبين { مَثَلاً } شبهاً { مَّا } أي: شبه، وضرب المثل: اعماله من ضرب الخاتم { بَعُوضَةً } صغير البق { فَمَا فَوْقَهَا } صغراً أو كبراً { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ } المثل { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ } أيّ شي { أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } حَالٌ أو تَمْييْزٌ، وآثره على: فلا يعلمون بيانا لكمال جهلهم كناية، والإرادة نزوع النفس وميلها إلى فعل بحيث يحملها عليه، أو قوة هي مبدأ النزوع، وإرادة الله -تعالى- ترجيح أحد مقدوريه على الأخر في الإيقاع، أو معنى يوجب هذا التجريح { يُضِلُّ بِهِ } بالمثل { كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } وكثرتهما بالنسبة إلى أنفسهما، إذ المهْدِيُّنَ قليلون { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } الخارجين عن الإيمان، والفاسقُ شَرعاً: الخارج عن أمر الله بارتكابه الكبيرة، وله ثلاث درجات: *الأولى: التغابي بأن يرتكبها أحياناً مستقبحاً إياها. * الثاني: الانهماك فيها بلا مبالاة بها. * الثالث الجحود بأن يرتكبها مستصوبا إياها فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عن الإيمان، كما نحن فيه، وعند المعتزلة: مرتكب الكبيرة لا كافر ولا مؤمن لأن الإيمان عندهم عبارة عن الأمور الثلاثة كما مَرَّ، والكفر تكذيب الحق، والنصوص تَرُدُّهُمْ { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ } يبطلون وأصله فسخ طاقات الحبل { عَهْدَ ٱللَّهِ } في قوله:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] { مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ } أي: توكيده بإرسال الرسل مع الكتب المذكورة { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } من الأرحام ونحوها مِمَّا هُوَ وصلة بيننا وبين الله { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ } بالمعصية { أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } والخاسر من خسر أحد ثلاثة: المال والبدن والعقل وهم من الثلاث.