الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

أي: إياكم أن تحزنوا على هؤلاء المنافقين بسب قعودهم عن الجهاد معكم ولا تقولوا: نحن خسرناهم في قتالنا لأن الحق لا يحتاج إليهم ولا إلى جهادهم. وسبحانه القائل:فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } [الأنعام: 89]. ويقول سبحانه:فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } [فصلت: 38]. وكذلك يقول الحق سبحانه:هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [محمد: 38]. وأيضاً نجد قوله الحق:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ... } [المائدة: 54]. إذن: فتخلف بعض أصحاب القوة والمال والجاه عن الجهاد، يجب ألا يشيع الفزع أو الحزن في نفوس المؤمنين لأن الله معهم، ولأنهم لهم الخيرات، أي: لهم كل ما يطلق عليه خير: { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } والمفلح: هو الفائز الناجي المستفيد بثمرة عمله، وأصلها فلح الأرض أي: شقها لأن الزراعة تقتضي أن تحرث الأرض أولاً، وهذه مهمة الإنسان ليخرج الزرع. والحق سبحانه وتعالى يقول:أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 64]. ونحن حيث نحرث الأرض نهيجها، وبدلاً من أن تكون صلبة لا يدخلها هواء ولا تتخللها أشعة الشمس، تصير بعد الحرث مستقبلة للهواء وتتخللها أشعة الشمس فتخلصها من أي ماء راكد في داخلها، وبذلك يتوافر للأرض الهواء اللازم لنمو جذور النبات لأن إذا وضعت الحَبّ في أرض غير محروثة، فالزرع لا ينبت لعدم وجود الهواء الذي تتنفس منه الجذور. ولكن إذا حرثت الأرض جعلت أشعة الشمس تتخلل ما هو تحت السطح وتبخر الماء المخزون ليدخل الهواء بدلاً منه فتستطيع جذور النبات أن تنمو. إذن: فكل عمل يؤدي إلى نتيجة طيبة نُسمِّيه فَلاحاً. وهو مأخوذ من الأمر الحسّي، الذي نراه كل يوم وهو الفِلاحة. وحين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يوضح لنا أمراً معنويّاً، فهو سبحانه يستحضر لنا صورة محسّة من الذي نراه أمامنا حتى نستطيع أن نُقرِّب المعنى إلى الأذهان خصوصاً في الغيبيات التي لا نراها، فإذا أراد سبحانه أن يقرِّبها إلى أذهاننا فهو يضرب لنا الأمثال بأمور حسّية. والإنسان حين يفلح الأرض ويشقها ويبذر فيها الحب، تعطيه محصولاً وفيراً، وكذلك فإن كل عمل يؤدي إلى نتيجة طيبة نسميه فلاحاً. وعندما يحدثنا الحق سبحانه، فهو يعطينا المثل مما نراه كل يوم ليقرب إلى أذهاننا جزاء الصدقة والزكاة، ومضاعفته لنا الأجرَ، فيقول:مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ... }

السابقالتالي
2