الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }

والله سبحانه وتعالى يوضح لرسوله صلى الله عليه وسلم: عندما تنتهي الغزوة وتعود إلى المدينة، فهناك حكم لا بد أن تطبقه مع هؤلاء المنافقين، الذين تخلفوا وفرحوا بعدم الجهاد. وقوله: { فَإِن رَّجَعَكَ } كلمة " رجع " من الأفعال، وكل فعل يجب أن يكون له فاعل ومفعول، فلا يمكن أن تقول: " ضرب محمد " ثم تسكت لأنه عليك أن تبين من المضروب. ولا يمكن أن تقول " قطف محمد " ، بل لا بد أن تقول ماذا قطف؟ وهكذا نحتاج إلى مفعول يقع عليه الفعل. ولكن هناك أفعالاً لا تحتاج إلى مفعول. كأن تقول: " جلس فلان " والفعل الذي يحتاج إلى مفعول اسمه " فعل مُتعَدٍّ " أما الفعل الذي لا يحتاج إلى مفعول فاسمه " فعل لازم ". إذن: فهناك فعل متعد وفعل لازم. وهنا في هذه الآية الكريمة يقول الحق سبحانه: { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } والحق سبحانه هو الفاعل، والكاف في { رَّجَعَكَ } هي المفعول به. ولكن لأنها ضمير ملتصق بالفعل يتقدم المفعول على الفاعل. إذن: { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } رجع فعل متعد، والفاعل لفظ الجلالة. والمفعول هو الضمير العائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: أن الله رجعك يا محمد. ولكن هناك آية في القرآن الكريم تقول:وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً... } [الأعراف: 150]. في الآية التي نحن بصددها { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } الفاعل هو الله، أما في قوله الحق: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ } نجد أن موسى هو الفاعل ولا يوجد مفعول به، إذن فـ " رجع " يمكن أن يكون فعلاً لازماً، كأن تقول: " رجع محمد من الغزوة ". ويمكن أن يكون فعلاً متعدياً كقوله سبحانه: { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } أي: يا محمد من الغزوة. إذن: فرجع تستعمل لازمة وتستعمل متعدية. ولكن في قصة سيدنا موسى عليه السلام عندما ألقته أمه في البحر والتقطه آل فرعون ومشت أخته تتبعه ثم حرَّم الله عليه المراضع ليعيده إلى أمه كي يزيل حزنها، يقول الحق سبحانه:إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ... } [طه: 40]. ما هو الفرق بين الآيات الثلاث؟ ولماذا استعمل فعل " رجع " لازماً ومتعدياً؟ نقول: إنه في قول الحق سبحانه وتعالى: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } هنا هيئ لموسى من ذاته أن يرجع، أي: أنه قرار اختياري من موسى، أما قوله تعالى: { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ } ، فموسى في هذه المرحلة كان طفلاً رضيعاً لا يستطيع أن يرجع بذاته، ولا بد أن يهيئ له الحق طريقة لإرجاعه، أي: من يحمله ويرجعه.

السابقالتالي
2 3