الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

ووقف العلماء في هذه الآية عند شيء اسمه مفهوم المخالفة لأن الحق سبحانه وتعالى حدد مرات الاستغفار غير المقبول بسبعين مرة، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسلَ رحمة للعالمين أنه ما دامت مرات الاستغفار قد حُددت بسبعين مرة فلأزيد على السبعين قليلاً وبذلك غلّب الرسول الكريم جانب الرحمة، وجانب الإكرام لعبد الله بن عبد الله بن أبي الذي أسلم وحَسُنَ إسلامه. وكانت السبعة دائماً هي نهاية العدد عند العرب، وعندما يأتي عدد آخر يكون زائداً، فالأصل في العدد هو مكررات الواحد، أي: أن الواحد أصل العدد، يضاف له واحد يكون اثنين، ويضاف لهما واحد فيكون المجموع ثلاثة، وتستمر الإضافة حتى يصير العدد سبعة، وإذا تركنا الواحد جانباً لأنه الأصل، نجد عندنا ثلاثة أعداد زوجية، هي: اثنان وأربعة وستة، وثلاثة أعداد فردية هي: ثلاثة وخمسة وسبعة، ويكون العدد سبعة جامعاً للمفرد والمثنى والجمع. ولذلك كانوا إذا أرادوا الزيادة على سبعة فلابد أن يأتوا بحرف العطف. ونجد قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الكهف:سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ... } [الكهف: 22]. ولم يقل: ثامنهم كلبهم، بل جاء بواو العطف لأن الثمانية كانت من نوع آخر. وحين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم " السبعين " قال: نزيد على السبعين، وبذلك يكون قد احترم قول الله، واحترم تكريمه لعبد الله بن عبد الله بن أبيّ الذي طلب منه أن يستغفر لأبيه. وهنا قالوا: كيف يغيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقول عن نفسه: " أنا أفصح العرب بيد أنِّي من قريش " ، أن عدد السبعين يُقصد به الكثرة مهما بلغت، والشاعر القديم يقول:
أسِيئي بِنَا أوْ أحْسِني لاَ مَلُومةَ   
أي: افعلي ما تشائين. فكأن الحق سبحانه وتعالى في قوله: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } شاء أن يأتي بمضاعفات العدد النهائية وهي السبعون ليحسم الأمر. وجاء قول الحق سبحانه:سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ... } [المنافقون: 6]. أي: مهما استغفرت بأي عدد من الأعداد فلن يغفر الله لهم. ونقول: إن الأمر هنا له شقان الشق الأول: أن يغفر الله. والشق الثاني: هو مجاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عبد الله بن أبيّ، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله لن يغفر للمنافقين. وفي استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو لاحترام طلب الابن، وأيضاً فالاستغفار من رسول الله كان مجرد مجاملة لعلمه أن الله لن يغفر للمنافقين لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن استغفاره من أجل منافق لن يقبله الله، وهناك استغفار تنشأ عنه المغفرة، واستغفار ينشأ عنه إرضاء عبد الله بن عبد الله بن أبيّ.

السابقالتالي
2 3