الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ وَمِنْهُمْ } أي: من المنافقين الذين عرض الله صوراً كثيرة لهم في هذه السورة الكريمة، فقال: { وَمِنْهُمْ } ، و { وَمِنْهُمْ } و { وَمِنْهُمْ } ، واختلفت روايات المفسرين والرواة في مدلول قوله تعالى { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ }. فقال بعضهم: إنه ثعلبة بن حاطب، وقال آخرون: إنه مُعتِّب بن قشير، وقال رأي ثالث: إنه الجد بن قيس، وقال قائل رابع: إنه حاطب بن أبي بلتعة. كل هذه خلافات تحتملها الآية الكريمة لأن الحق سبحانه وتعالى قال: { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } ولم يقل الحق: " فلما آتيناه من فضلنا بخل به " بحيث ينطبق على حالة واحدة، ولكن الحق تبارك وتعالى جاء بها بصيغة الجمع فقال سبحانه:فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ... } [التوبة: 76]. إذن: فهناك جمع. والروايات كلها يمكن أن تكون صحيحة في أن الآية الكريمة نزلت في أفراد متعددين، وسبحانه يقول: { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } فكيف يكون للمنافقين عهد مع الله؟ نقول: لقد عُومل هؤلاء المنافقون بظواهر ألسنتهم، فهم قد أعلنوا إسلامهم، وكان الواحد منهم يقول: أعاهد الله على كذا وكذا تماماً كما يأتي الواحد منهم للصلاة ويحرص بعضهم على التواجد في الصف الأول للمصلين، فهل منعه النفاق من الصلاة ظاهراً؟ لم يمنعه أحد، كذلك عندما يعاهد الله فهو يعاهده بظاهر لسانه. وقصة الآية: أن رجلاً فقيراً من الأنصار ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني فقير مملق - أي شديد الفقر - فادع لي الله يا رسول الله أن يوسع عليّ دنياي. وبفطنة النبوة قال صلى الله عليه وسلم: إن قليلاً تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فعاوده وقال: ادع الله لي أن يوسّع عليّ. فدعا له فوسّع الله عليه. ولسائل أن يسأل: كيف يستجيب الرسول ويدعو لمنافق؟ وإذا كان الرسول قد دعا ترضية له وتأليفاً لقلبه فكيف يجيب الله رسوله في طلب منافق منه؟ ونقول: ربما كان ذلك لأن المنافق أراد أن يجرب: أرسول الله رسول حق، بحيث إن دعا الله أجيب؟ فلما دعا رسول الله أراد الحق سبحانه وتعالى أن يُعْلم هذا المنافق أنه: نعم هو رسول الله وإن دعا لأي أحد يُجِبْه الله، فتكون هذه للنبي صلى الله عليه وسلم. فلما دعا رسول الله لثعلبة، أو للجد بن قيس، أو لحاطب بن أبي بلتعة استجاب الله لدعاء رسوله وأعطى مَنْ سأل الدعاء مالاً وفيراً، وقالوا: ولقد تكاثر مال ثعلبة، وكانت ثروته من الأغنام قد تناسلت حتى ضاقت بها شعَاب المدينة فهرب بها إلى شعاب الجبال، وإلى الصحراء الواسعة، فامتلأت، فشغلته أمواله أول ما شغلته عن صلاة الجماعة، وأصبح لا يذهب للصلاة إلا في يوم الجمعة فلما كثرت كثرة فاحشة شغلته أيضاً عن صلاة الجمعة.

السابقالتالي
2