الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

والوعد: بشارة بخير يأتي زمانه بعد الكلام. والوعيد: إنذار بسوء يأتي بعد الكلام. الوعد يشجع السامع على أن يبذل جهده ويعمل حتى يتحقق له الخير الذي وُعِد به. والوعيد يعطي السامع فرصة أن يمتنع عما يغضب الله فلا يناله عذاب الله. على أننا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ } ثم ذكر العذاب الذي ينتظرهم، وبعد ذلك قال: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } ثم وصف النعيم الذي ينتظرهم، مع أن الشائع في اللغة أن الوعد يكون بالخير والوعيد يكون بالشر، فكان من المناسب في عرف البشر أن يقول الحق سبحانه وتعالى: " أوعد الله المنافقين " لأن الذي سيأتي بعد ذلك عذاب ونار وشر، وأن يقول في المؤمنين: وَعَدَ اللهُ لأن الذي سيأتي بعد ذلك جنة ونعيم وخير. ولكن الأسلوب جاء مخالفاً للعرف البشري، فجاء بكلمة " وعد " ، وهي تقال دائماً للخير في حديثه سبحانه وتعالى عن المنافقين والمؤمنين، واستخدام وعد بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات موافق للمنطق البشري لأنه وعد بخير. ولكن بالنسبة للمنافقين فقد جاء الحق سبحانه وتعالى بكلمة " وعد " مكان " أوعد ". فالذي يتكلم هنا هو الحق سبحانه، فلا تَقِسْ كلام الله على كلام البشر لأن البشر يفوتهم في كلامهم ملاحظ، ولكنها لا تفوت ولا تخفى على الله، والبشر يتفاوتون في الأداء وأساليبه ولكن الحق أسلوبه واحد. فلماذا جاء سبحانه - إذن - بكلمة " وعد " بدلاً من " أوعد "؟ نقول: إن الحق سبحانه وتعالى بعد أن عرَّف المنافقين والمنافقات، ثم تكلم عن جزائهم إن إصرُّوا على نفاقهم، كان ذلك تحذيراً حتى لا يصروا على النفاق مخافة العذاب الذي ينتظرهم عَلَّهم يقلعون عن النفاق وينصرفون إلى الخير من الإيمان. إذن: فالحق سبحانه وتعالى حين حذرهم بالوعيد نصحهم، كما تقول لمن يهمل في دروسه: سترسب إذا أهملت دروسك. فتكون بذلك قد خدمت إقباله على المذاكرة. وأوصلته بالوعيد إلى أن يتجنب الأمر الذي أوعد به ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى:يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 35-36]. هل الشواظ من النار نعمة حتى يقول الحق سبحانه وتعالى: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي: فبأي نعم ربك تكذب؟ نقول: نعم إنه نعمة لأن الحق سبحانه وتعالى حين يوضح لك: إن خالفت هذا فستذهب إلى النار، يكون قد قدم لك العظة والنصيحة، والعظة والنصيحة نعمة لأنه يجعلك تتجنب طريق النار وتختار طريق الجنة. إذن: فحين يحذر الله المنافقين والمنافقات بالمصير الذي ينتظرهم، يكون هذا خيراً ونعمة لأنهم إن اتعظوا وأقلعوا عن النفاق إلى الإيمان فهم ينجون أنفسهم من عذاب النار، وفي هذا خير عميم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد