الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

جاءت هذه الآية بعد آية سابقة وُصِفَ فيها المنافقون في قوله تعالى:ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ... } [التوبة: 67]. فناسب أن يقابلهم بالمؤمنين والمؤمنات، وتلك مناسبة الضد بالضد لأن قياس الضد إلى ضده يُظهر الأمرين معاً. والمثال قول الشاعر حين يمدح محبوبته فيقول:
فالوَجْهُ مثْلُ الصبح مُبيضٌ   والشَّعْر مثل الليل مُسْودُّ
ضِدَّان لما استجمعا حَسُنَا   والضِّدُّ يُظهِر حُسْنه الضِّدُّ
وبعد أن ذكر الحق فضائح المنافقين ومعايبهم، وحنثهم فيما يحلفون، وخلفهم فيما يعاهدون، أراد أن يجعل تقابلاً بينهم وبين المؤمنين والمؤمنات. لكن التقابل هنا اختلف في شيء لأنه سبحانه قال في المنافقين: { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } ، وحين تكلم عن المؤمنين قال: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } فالمنافقون والمنافقات وصفهم الحق { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أي أنهم كلهم متشابهون وسلوكهم مبني على التقليد والاتباع، فهم يقلدون بعضهم بعضاً. وبما أنهم قد أقاموا عقيدتهم على الشر، فكلهم شر، ولا يوجد بينهم من ينصحهم بالخير أو يحاول رَدَّهم عن النفاق، بل هم يمضون في تيار الشر إلى آخر مدى. أما المؤمن فعقيدته مبنية على الاقتناع وعلى الخير. فإن وُجد في مؤمن شر فَوليُّه من المؤمنين يبعده عن الشر ويعيده إلى طريق الخير ذلك لأن النفس البشرية لها أغيار متعددة، ولا يسلك كل مؤمن السلوك الملتزم تمام الالتزام بمنهج الله في كل شيء. بل هناك خصلة ضعف في كل نفس بشرية. فإن وُجِدَ في المؤمن ضعف فأولياؤه من المؤمنين يُبيِّنون له نقطة ضعفه ويُبصِّرونه وينصحون له، ويُرد في نقطة ضعفه، والمؤمن أيضاً يُنبِّه غيره ويُبصِّره، وهكذا نجد أنه في المجتمع المؤمن، كل واحد يرد الآخر في نقطة ضعفه، وكل منهم ينصح الآخر ويعظه، ليكتمل إيمان الجميع، ومَنْ يقصر في شيء يجد القريب منه وهو يسد الثغرة الطارئة في سلوكه. أما المنافقون فيصفهم الحق { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أي: أنهم جميعاً من بعض، فلا يتناهَوْنَ عن منكر فعلوه، ولا يوجد بينهم ناصح. وقول الحق سبحانه وتعالى: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } لم يبين لنا من المولى ومن الموَالَى، فكل مؤمن وهو ولى وهو موال لأن الولاية مأخوذة من " يليه " ، أي صار قريباً، وضدها عاداهُ أي بَعُدَ عنه وتركه. إذن: فالموالاة ضدها العداوة. وفائدة القرب أن يكون الولي نصير أخيه المؤمن في الأمر الذي هو ضعيف فيه. فإذا كنت ضعيفاً في أمر ما، فأخي المؤمن ينصرني فيه. وما دام أخي المؤمن ينصرني في أمر ما، فإن صار هو ضعيفاً في شيء أنصره أنا فيه، فنتفاعل ونتكامل ويصبح كل منا ولياً ومُوَالَى. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8