الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

أي لقد جربتم العهود مع المشركين، وفي كل مرة يعاهدونكم ينقضون عهدهم، وقد نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاهدة الحديبية، إذن فالله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أننا يجب ألا نأمن لعهود المشركين لأنهم لا يحفظون العهد ولكنهم ينقضونه، وعلى ذلك فعِلَّةُ نقض العهد أنهم لم يستقيموا للعهد من قبل. ويكون بقاء العهد هو الأمر العجيب. و " كيف " هنا للاستفهام عن الحالة، يقال: كيف حالك؟. تقول: بخير والحمد لله. إذن فـ " كيف " يُسأل بها عن الحال، والحال قد يكون عاماً، أي كيف حالك وحال أسرتك وأولادك ومعيشتك إلى آخره، وقد يكون خاصاً أن تسأل عن مريض فتقول: كيف حال فلان؟. فيقال: شُفِي والحمد لله. أو تسأل عن معسر فتقول كيف حاله؟. فيقال: فرّج الله ضائقته. أو تسأل عن ابن ترك البيت هارباً فيقال: عاد والحمد لله. إذن فـ " كيف " إن أطلقت تكون عامة، وإن خصصت تكون خاصة، ولكنها تُطلق مرة ولا يراد بها الاستفهام، بل يراد بها التعجب إما تعجب من القبح، وإما تعجب من الحسن. كأن يقال لك: كيف سب فلان أباه؟. هنا تعجب من القبح لأن ما حدث شيء قبيح ما كان يصح أن يحدث. وتأتي لإنسان اخترع اختراعاً هاماً وتقول: كيف وصلت إلى هذا الاختراع؟. وهذا تعجب من الحسن. والتعجب من القبح يكون تعجب إنكار والتعجب من الحسن تعجب استحسان كأن نقول: كيف بنيت هذا المسجد؟ وفي هذه الآية الكريمة يقول سبحانه وتعالى: { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ.. } [التوبة: 7]. وهذا تعجب من أن يكون للمشركين شيء اسمه عهد لأنهم لا يعرفون إلاَّ نقض العهد، ولا يتمسكون بالعهود ولا يحترمونها، إذن يحق التعجب من أن يكون لهم عهد بينما في الحقيقة لا عهد لهم. وهذا التعجب للاستهزاء والإنكار، فأنت مثلاً إذا جاء أحد يهددك، فقلت له: من أنت حتى تهددني؟. يكون هذا استهزاء واستنكاراً لأنك تعرفه، وأيضاً تستهزىء أن يملك القدرة على أن ينفذ تهديده لك. ومرة تكون استفهاماً حقيقياً، كأن تسأل إنساناً لا تعرفه: من أنت؟. فيقول لك: أنا فلان بن فلان. وأحياناً تكون الإجابة عن الكيفية بالكلام، وأحياناً لا ينفع الكلام فلا بد أن يجاب بالفعل. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ.. } [البقرة: 260]. كيف هذه تحمل معنى التعجب الاستحساني لأنك إذا بعثت الحياة في ما لا حياة فيه فهذه مسألة عجيبة تستوجب الاستحسان. ولم يجب سبحانه وتعالى على سيدنا إبراهيم باللفظ، بل أجاب بتجربة عملية، ودار حوار بين الحق سبحانه وتعالى وخليله إبراهيم عليه السلام فسأله المولى سبحانه:

السابقالتالي
2