الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }

ومن العجيب أن سورة التوبة فيها أكبر عدد من لفظ " يحلفون " ، ولم ترد مادة " يحلف " في سورة المائدة إلا مرة واحدة، وفي سورة النساء مرة، وفي سورة المجادلة ثلاث مرات، أما في سورة التوبة فقد جاءت سبع مرات، وفي سورة القلم جاءت " حلاف " ، حتى إن سورة التوبة سميت " سورة يحلف " لأن فيها أكبر عدد من { يَحْلِفُونَ } في القرآن الكريم. ويقول الحق سبحانه: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } وفي هذا إصرار من المنافقين على الحلف كذباً، وهو ما يوضح غباءهم وعدم فطنتهم. وأيضاً يقول الحق:سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ... } [التوبة: 95]. واستخدام الحق سبحانه وتعالى حرف السين معناه أنهم لم يحلفوا بعد، ولكنهم سيحلفون بعد فترة، أي في المستقبل، أي: أن الآية الكريمة نزلت ولم يحلفوا بعد، إنما هم سيحلفون بعد نزول الآية الكريمة، ولو كان عندهم ذرة من ذكاء ما حلفوا، ولقالوا: إن القرآن قال سنحلف ولكننا لم نحلف. ولكنهم ورغم نزول الآية جاءوا مصدقين للقرآن مثبتين للإيمان وحلفوا. وكلمة " حلف " هي القسم أو اليمين. وحين نتمعن في القرآن نجد أن الحلف لا يطلق إلا على اليمين الكاذبة، أما القسم فإنه يطلق على اليمين الصادقة واليمين الكاذبة. فمثلاً عندما نقرأ في سورة المائدة:ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ... } [المائدة: 89]. وما دامت هناك كفارة يمين يكون الحلف كذباً لأن الذي يستوجب الكفارة هو الكذب. وإذا استعرضنا بعد ذلك كل " حلف " في القرآن نجد أنه يقصد بها اليمين الكاذبة ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى:وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [القلم: 10]. فالحلف هنا مقصود به القسم الكاذب. ولكن إذا قال الحق سبحانه وتعالى { أَقْسَمُواْ } فقد يكون اليمين صادقاً وقد يكون كاذباً. والحق سبحانه وتعالى يقول: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } أي: أن هدف الحلف كذباً هو إرضاء المؤمنين حتى يطمئنوا للمنافقين ولا يتوقعوا منهم الشر، ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بالحقيقة: { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } إذن: فهم يحلفون لترضَوْا أنتم عنهم، أما المؤمن الحق فهو لا يقسم إلا ليرضى الله لأن الإنسان قد يخدع البشر، وقد يفلت من عدالة الأرض، ولكنك لا تخدع الله ولا تلفت من عدالته أبداً. ومن مهام الإيمان أن الإنسان يرعى الله في كل معاملة له مع البشر ويبتغي رضاه ويخاف من غضبه، ذلك هو المؤمن الحق. وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } وكان القياس اللغوي على حسب كلام البشر أن يقول: والله ورسوله أحق أن ترضوهما. وشاء الحق أن يأتى بها { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } لأن رضا الله ورضا رسوله هو رضا واحد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بالقرآن من عنده، ولكنه وحي من عند الله.

السابقالتالي
2