الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

وعندما تسمع كلمة { إِنَّمَا } فافهم أنه يُرَادُ بها القصر، فإن قلتَ: إنما الرجل زيد، أي: أنك قصرت الرجولة على زيد. وإن قلتَ: إنما الكريم حاتم، تكون قد قصرت الكرم على حاتم. وقول الحق سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ } معناها: أن الصدقات محصورة في هؤلاء ولا تتعداهم. فمن هم هؤلاء الذين حصر الحق سبحانه وتعالى فيهم الصدقة؟ وما المراد هنا بالصدقة؟ هل هي صدقة التطوع أو الزكاة؟ نقول: ما دام الحق سبحانه وتعالى قد حدد لها مصارف فهي الزكاة، ولسائل أن يسأل: لماذا لم يَقُل الحق سبحانه وتعالى الزكاة وقال الصدقة؟ ونقول: ألا ترى - في المجتمعات غير الإيمانية الملحدة - أن من الناس مَنْ يفكرون في إنشاء مؤسسات اجتماعية لرعاية الفقراء؟ إن عطف الإنسان على أخيه الإنسان هو أمر غريزي خلقه الله فينا جميعاً، ولذلك كان يجب أن نفهم أن الزكاة صدقة، ولو لم يشرعها الله لكان يجب أن يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان. وحوادث الكون كلها تدل على صدق وصف الحق سبحانه وتعالى للزكاة بأنها صدقة لأنها تأتي تطوعاً من غير المؤمن وغير الملتزم بالتشريع، ويحس القادر بالسعادة وهو يعطي لغير القادر، وهي غريزة وضعها الله في خلقه ليخفف من الشقاء في الكون. وهنا يقول الحق: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَٰكِينِ } وقد احتار العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن الفقير هو الذي لا يجد شيئاً فهو مُعدم. والمسكين هو من يملك شيئاً ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون المسكين أحسن حالاً من الفقير، واستندوا في ذلك إلى نص قرآني في قوله تعالى:أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ... } [الكهف: 79]. وما دام هؤلاء المساكين يملكون سفينة إذن فعندهم شيء يملكونه. ولكن العائد الذي تأتي به السفينة لا يكفيهم. ولكن بعض العلماء قالوا عكس ذلك، ورأوا أن المسكين هو مَنْ لا يملك شيئاً مطلقاً، والفقير هو الذي يجد الكفاف. وعلى هذا يكون الفقير أحسن حالاً من المسكين، ولا أعتقد أن الدخول في هذا الجدل له فائدة لأن الله أعطى الاثنين.. الفقير والمسكين. وكلمة " فقير " معناها الذي أتعبت الحياة فَقَار ظهره أي فقرات ظهره، وحاله يغني للتعبير عنه، والمسكين هو الذي أذهلته المسكنة. ثم يأتي بعد ذلك: { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } أي: الذين يقومون بجمع الصدقات ويأخذونها ممن يعطيها ويضعونها في بيت المال، ونلاحظ هنا أن { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } جاءت مطلقة فلم تحدد هل يستحق الصدقة مَنْ كان يجمعها وهو فقير، أو مَنْ كان يجمعها وهو غير محتاج. ونقول: إن جمع الصدقة عمل، ولو قلنا: إن غير المحتاج ويعمل في جمع الصدقة لا يجب أن يأخذ أجراً، هنا يصبح عمله لوناً من التفضل، وما دام العمل تفضُّلاً فلن يكون بنفس الكفاءة التي يعمل بها، إذا كان العمل بالأجر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد