الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

وإياكم أن تروا واحداً من هؤلاء ممن رزقهم الله المال والولد ثم تقولون: كيف يكون عذابهم في الدنيا وهم يملكون المال والولد؟ ومثل هذا التعجب يعني استحسان المال والولد، والظن أن فيهما الخير كله، لكنك إن نظرت بعمق إلى المال والولد وكل حطام الدنيا فستجده لا يستحق الإعجاب، وإياك أن تغتر بشيء يمكن أن يتركك، ويمكن أن يكون سبباً في عذابك، فالمال والولد قد يجعلان الإنسان ملتفتاً إلى النعمة ويلهيانه عن المنعم. وإن لم يلتفت الإنسان إلى المنعم لا يذكره. وإن لم يذكر الله أهمل منهجه. والمال والولد في الحياة الدنيا قد يكونان سببين في أن يخاف الإنسان ترك الدنيا. فإن لم يكن لك إيمان بما عند الله في الآخرة، فقد تخاف أن يتركك المال أو الولد. والذي لا يؤمن باليوم الآخر فالدنيا هي كل زمنه وإن فاتها كان ذلك مصيبة له، وإن فاتته كان ذلك مصيبة عليه. وإن آمن الإنسان بالله واليوم الآخر لقال: لئن فاتتني الدنيا فلي عند الله خير منها. ويريد الحق سبحانه أن يمنع عن المؤمنين به فتنة النعمة التي تُلْهِي عن المنعم، فيقول سبحانه: { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } والآية الكريمة تدلُّنا على أن للمال وحده إعجاباً، وللأولاد وحدهم إعجاباً، فمن عنده مال معجب بما عنده. ومن ليس عنده مال وعنده أولاد معجب بهم أيضاً. فإذا اجتمع الاثنان معاً يكون الإعجاب أكبر وأشمل. والحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن اجتماع المال والولد يجب ألا يثير الإعجاب في نفوسنا، بل إن سياق الآية يحذرنا من أن نعجب بمن عنده المال وحده، أو بمن عنده الأولاد وحدهم، لذلك كرر الحق سبحانه وتعالى كلمة: { لا } فقال: { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ }. وأفهمنا الحق سبحانه وتعالى أنه إذا أمد الكافر أو المنافق بالمال والولد فلذلك ليس رفعة من شأنه، وإنما ليعذبه بهما في الدنيا والآخرة. فقال: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا } ، واللام هنا في " لِيُعَذِّبَهُمْ " هي لام تدخل على الفعل واسمها " لام العاقبة ". وهي تعني أننا ربما نقوم بالفعل لهدف معين، ولكن قد تكون عاقبته شيئاً آخر تماماً غير الذي قصدناه، بل ربما تكون عكس الذي قصدناه. وعندما نقرأ القرآن نجد قول الحق سبحانه وتعالى:فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً... } [القصص: 8]. هل التقط آل فرعون موسى عليه السلام ليكون لهم عدواً؟ أم ليكون قرة عين لهم؟ هم قد التقطوه ليكون قرة عين لهم، ولكن الذي حدث كان عكس ما قصدوه ساعةَ قيامهم بفعل الالتقاط، فبدلاً من أن يصبح موسى قرة عين، أصبح عدواً لفرعون، بل كان سبباً في زوال مُلْكه، إذن هذه هي لام العاقبة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8