الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

إذن: فشرط تقبُّل الله لأي عمل إنما يأتي بعد الإيمان بالله، أما أن تعمل وليس في بالك الله، فخذ أجرك ممن كان في بالك وأنت تعمل. لذلك ضرب الله مثلاً بأعمال الذين كفروا في قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [النور: 39]. ويعطينا الله سبحانه مثلاً آخر في قوله تعالى:مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [إبراهيم: 18]. ويقول الحق سبحانه وتعالى:مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [الشورى: 20]. وهذا ما يشرح لنا ما استغلق على بعض العلماء فهمه في قول الحق:فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 7-8]. فقد تساءل بعض من العلماء: أيجزي الحق سبحانه هؤلاء الكفار في الآخرة أم في الدنيا؟ وقد استغلق عليهم الأمر لأن الآية عامة. ونقول: إن الحق يعطي في الدنيا الجزاء لمن عمل للدنيا، ويعطي في الآخرة لمن عمل للدنيا والآخرة وفي قلبه الله. ولذلك فالذين يحسنون اتخاذ الأسباب المخلوقة لله بمنح الربوبية ينجحون في حياتهم. والذين يتقدمون دنيوياً في زراعة الأرض وانتقاء البذور والعناية بها يعطيهم الله جزاء عملهم في الدنيا، ولا يبخس منه شيئاً ولكن الحق سبحانه يقول أيضاً:وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23]. هذا القول يوضح عطاء الآخرة، ولذلك فالخير الذي يعمله غير المؤمن لا يُجزى عليه في الآخرة لأنه عَمِلَ وليس في باله الله، فكيف ينتظر جزاءه ممن لم يؤمن به؟ إن الله سبحانه يجزي مَنْ آمن به وعمل من أجله. ولكن من كفر بالله حبط كل عمله. وهذا أمر طبيعي لأنك ما دُمْتَ قد عملت الخير وليس في بالك الله، فلا تنتظر جزاءً منه. إن عملتَ للإنسانية أعطتْك الإنسانية، وإن عملتَ للمجتمع أعطاك المجتمع وصنعوا لك التماثيل وأطلقوا اسمك على الميادين والشوارع، وأقيمت باسمك المؤسسات، وتحقق لك الخلود في الدنيا، وهذا هو جزاؤك. ولكن إن كنت مؤمناً بالله، راجياً ثوابه تجيء يوم القيامة لتجد يد الله ممدودة لك بالخير الذي قدمته. والحق سبحانه وتعالى يقول هنا: { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } والطَّوْع: هو الفعل الذي تُقبل عليه بإرادتك دون أن تكون مكرهاً، فكيف لا تجازى على خير فعلته بإرادتك؟ ولا بد لنا أن نفرق بين " طوع " و " طائع " ، وكذلك نفرق بين هذا وبين الفعل الذي تقوم به حين يحملك غيرك ويُكرهك أن تفعله.

السابقالتالي
2 3