الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

والخبال مرض عقلي ينشأ معه اختلال موازين الفكر، فتقول: فلان مخبول، أي: أنه يحكم في القضايا بدون عقل، إذن فقوله تعالى: { مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } أي: أنهم لن يكونوا إلا مصدراً لبلبلة الأفكار لو خرجوا معكم للقتال، فلا تستطيعون اتخاذ القرار السليم. فكأنهم عين عليكم، وضدكم وليسوا معكم، وقد يكونون من عوامل الهزيمة التي لم يُرِدْهَا الله لكم، وليسوا من عوامل النصر، فكأن عدم خروجهم هو دفع لشَر، كان سيقع لو أنهم خرجوا معكم. وشاء الحق عدم خروجهم حفاظاً على قوة المؤمنين وقدرتهم على الجهاد. وقوله تعالى: { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } أي: أنهم كانوا سيُحْدثون فُرْقة بين صفوف المؤمنين ويُفرِّقونهم، وسيتغلغلون بينهم للإفسَاد لأن الخلال هو الفُرْجة بين الشيئين أو الشخصين، فيدخل واحد منهم بين فريق من المؤمنين فيفسد، وآخر يفسد فريقاً آخر، وهكذا يمشون خلال المؤمنين ليفرقوا بينهم. ولكن التساؤل: هل كانوا سيخرجون معهم أو فيهم؟ هم كانوا سيدخلون في الفُرج بين المؤمنين ليبلبلوا أفكارهم. ونقول: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وعندما تسمع كلمة " فيكُم " اعلم أنها تغلغل ظرف ومظروف ولذلك قال الحق سبحانه وتعالَى في موضع آخر من القرآن ما يوضح لنا الظرف والمظروف، قال الحق:وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71]. هل كان فرعون سيصلب السحرة في داخل الجذوع أم على الجذوع؟ وإن كان أهل اللغة قد قالوا: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض. فإننا لا نرضى هذا الجواب لأننا إن رضيناه في أساليب البشر، لا يمكن أن نقبله في أساليب كلام الله لأن هناك معنى " في " الظرفية ومعنى آخر في استخدام حرف " على ". ولو قال الحق سبحانه وتعالى: " لأصلبنكم على جذوع النخل " ، فإن لها معنى أن يكون الصَّلْب على الجذع أي: أنه صَلْبٌ عادي، ولكن قوله تعالى: { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } معناه: أن عملية الصَّلْب ستتم بقوة بحيث تدخل أجزاء من جسم المصلوب في المصلوب فيه، أي: أن جنود فرعون كانوا سَيَدقُّون على أجساد السحرة حتى تدخل في جذوع النخل، وتصبح هذه الأجساد وجذوع النخل وكأنها قطعة واحدة، هذه صورة لقسوة الصلب وقوته. لكن إذا قلنا: على جذوع النخل لكان المعنى أخفَّ، ولكان الصَّلْب أقل قسوة، فكأن القرآن الكريم قد استعمل ما يعطينا دقة المعنى. بحيث إذا تغيَّر حرف اختل المعنى. ونجد الحق سبحانه وتعالى يقول في موضع آخر من القرآن الكريم:وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [آل عمران: 113]. أي: أن سرعتنا في العمل الصالح تنتهي بنا إلى المغفرة، إذن: فنحن قبل أن نسرع إلى الصالح من الأعمال لم نكن في المغفرة، وعندما نسارع نصل إليها.

السابقالتالي
2 3