الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

والنسيء هو التأخير، فكأنهم إذا ما دخلوا في قتال وجاء شهر حرام قالوا: ننقله إلى شهر قادم، واستمروا في قتالهم وهم بذلك قد أحلُّوا الشهر الذي كان محرماً وجعلوا الشهر الذي لم تكن له حرمة شهراً حراماً، وهنا يوضح الحق سبحانه أن هذا العمل زيادة في الكفر لأنه أدخل في المحلل ما ليس منه، وأدخل في المحرم ما ليس منه لأن الكفر هو عدم الإيمان فإذا بدَّلْتَ وغيَّرْتَ في منهج الإيمان، فهذا زيادة في الكفر. ثم يقول سبحانه: { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } و { يُضَلُّ } هنا مبنية للمجهول ومعنى ذلك أن هناك من يقوم بإضلال الذين كفروا، وهذه مهمة الشيطان لأن هناك فرقاً بين الضلال والإضلال، فالضلال في الذات والنفس، أما الإضلال فيتعدى إلى الغير، فهناك ضال لا يكتفي بضلال نفسه، بل يأتي لغيره ويضله ويغويه على المعصية بأن يزينها له. ولذلك هناك جزاء على الضلال، وجزاء أشد على الإضلال، فإذا كان هناك إنسان ضال فهو في نفسه غير مؤمن، أي أن ضلاله لم يتجاوز ذاته، ولم ينتقل إلى غيره. ولكن إذا حاول أن يغري غيره بالضلال والمعصية يكون بذلك قد ضلَّ وأضلَّ غيره. ويتخذ بعض المستشرقين هذه القضية مطعناً في القرآن - بلا وعي منهم أو فهم فيقولون: إن القرآن يقول:وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ... } [فاطر: 18]. ثم يأتي في آية أخرى فيقول:وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ... } [العنكبوت: 13]. فكيف يقول القرآن: إن أحداً لا يتحمل إلا وزره، ثم يقول: إن هناك من سيتحمل وِزْره ووِزْر غيره؟ ونقول لهم: أنتم لم تفهموا المعنى، فالأول: هو الضَّالُّ الذي يرتكب المعاصي ولكنه لم يُغْرِ بها غيره، أي: أنه عصى الله ولم يتجاوز المعصية. أما الثاني: فقد ضلَ وأضل غيره.. أي: أنه لم يكتف بارتكاب المعصية بل أخذ يغري الناس على معصية الله. وكلما أغرى واحداً على المعصية كان عليه نفس وِزْر مرتكب المعصية. وهنا يقول الحق: { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } وطبعاً التحليل والتحريم هنا حدث منهم لظنهم أن هذه مصلحتهم، أي أنهم أخضعوا الأشهر الحرم لشهواتهم الخاصة، وخرجوا عن مرادات الله في كونه، يوم خلق السماوات والأرض. ولكن لماذا يُحلُّونه عاماً ويُحرِّمونه عاماً؟ تأتي الإجابة من الحق: { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي: ليوافقوا عدة ما أحله الله حتى يبرروا ويقولوا لأنفسهم: نحن لسنا عاصين، فإن كان الله يريد أربعة أشهر حرم، فنحن قد التزمنا بذلك! ولكن تشريع الله ليس في العدد فقط ولكن في المعدود أيضاً، وقد حدد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشهر الحرم.

السابقالتالي
2 3