الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

والولي هو الذي يليك وينجز ما تحبه، وتلجأ إليه في كل أمر، وتأخذ منه النصيحة، كما أنه القادر أن يجيرك حين تفزع إليه، ويكون دائماً بمثابة المعين لك، والقريب الذي يسمع منك، إذا استغثت يغيثك وينصرك، ويكون معك في كل أمورك. إن قارنا بين طلب المخلوق وطلب الخالق. والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا هنا: إن أردتم أن يكون بناء الإسلام قوياً لا خلل فيه، فإياكم أن يكون انتماؤكم غير انتماء الإيمان، فهو فوق انتماء النسب والحسب وغير ذلك، وإن قارنا بين طلب المخلوق وطلب الخالق، فما يطلبه الخالق فوق ما يطلبه المخلوق لأنك إن أغضبت المخلوق في رضا الخالق تكون أنت الفائز، ويقذف الله في قلب كل من حولك رضاهم عنك، وسيقال عنك صاحب مبدأ وضمير، ولا ترضى أن تغضب الله ليرضى عنك أحد. وإن أسخطت الله لإرضاء مخلوق مهما كان، تجد أن الله يجعل هذا المخلوق يسخط عليك ويحتقرك. فإن شهدت زوراً لصالح بشر. يعرف عنك هذا الذي شهدت زوراً في حقه أنك شاهد زور فلا يأمنك، وإن جئت بالصدفة لتشهد عنده فهو لا يقبل شهادتك ويحتقر كلامك. ولذلك قال الحكماء: شاهد الزور قد يرفع رأسك على الخصم بشهادته، ولكنك تدوس بقدمك على كرامته لأنه سقط في نظرك. والانتماء إذن هو انتماء لله، فإن صادفك قريب يريد منك أن تفعل ما يغضب الله فلا تطعه، ولكن لا تكن فظاً معه. وخصوصاً مع الوالدين لأن الله سبحانه وتعالى يقول عنهما:وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً.. } [لقمان: 15]. والحق سبحانه وتعالى يقول هنا: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَٰنِ.. } [التوبة: 23]. إذن فالذي يربط كل شيء هو الكفر أو الإيمان. وقد أعطانا صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المثل الخالد. فقد كان سيدنا مصعب بن عمير أكثر الفتيان تدللاً في مكة، وكانت حياته في مكة قبل إسلامه غاية في الترف، وكان يرفل في الثياب الفاخرة، فلما هاجر إلى المدينة عاش ظروف الفقر المادي الصعب، لدرجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه في الطريق ساتراً عورته بجلد شاة فلفت النبي عليه الصلاة والسلام نظر الصحابة إلى حالته هذه وكيف فعل الإيمان بمصعب حيث فضل الإيمان على نعيم الدنيا كلها. لقد رأى مصعب - رضي الله عنه - أن شرفه بالانتماء إلى الإسلام أكبر من فاخر الثياب، وترف العيش وانطبق عليه قول الحق تبارك وتعالى:ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

السابقالتالي
2 3 4 5