الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ }

وكأن هذه الآية قد جاءت حيثية للبراءة التي حَمَّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ليعلنها يوم الحج الأكبر لأن البراءة هي القطيعة، ومعناها ألاَّ يدخل المسجد مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فكأن البراءة من الله عز وجل ورسوله من المشركين مَنْعٌ لهم من دخول المسجد الحرام، وكان عدد من المشركين قد جعلوا من المسجد الحرام منتدى لهم، وكانوا يجلسون فيه للتسامر والتجارة ولغير ذلك، كما كانوا يقومون بسقي الحجيج من شراب الزبيب الذي لم يختمر ومعهم حجاب البيت، ويطعمون زوار بيت الله الحرام. كل ذلك كان يحدث في مكة من الكفار ولكن هذا انتهى بالبراءة التي أعلنها علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوحى إليه ربه بأن يفعل ذلك، ولم يعد للمشركين حق في { أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله }. والعبارة لها معنيان المعنى الأول هو الجلوس في هذه المساجد بحيث تكون عامرة بزوارها، والمعنى الثاني هو المحافظة على بناية المسجد ونظافته وإصلاحه. وقد منع الله المشركين من كلا النوعين من العمارة. والكلام هنا عن المسجد الحرام لقوله تعالى:إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا.. } [التوبة: 28]. نقول: إنَّ المسجد الحرام هو مكان تتجه إليه كل اتجاهات الناس في كل بقاع الأرض حين يقيمون الصلاة لأن كل مكان يسجد فيه إنسان مسلم يسمى مسجداً، وبتعدد الساجدين، يعتبر المسجد الحرام مساجد، أو لأن جهات السجود تتعدى في المسجد الحرام فواحد يسجد شمال الكعبة، وآخر جنوب الكعبة وثالث شرق الكعبة، ورابع غرب الكعبة هذا في الجهات الأصلية، وهناك الجهات الفرعية فهناك أناس يتجهون شمال شرق، وأناس يتجهون جنوب شرق، وغيرهم يتجه جنوب غرب، وتتعدد الجهات الفرعية في الاتجاه إلى الكعبة إذن فكل جهة متجهة هي مسجد وهناك ممن لا يرون الكعبة في بقاع الأرض يتجهون إليها. وحين تسمع قول الحق سبحانه وتعالى يقول: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } [التوبة: 17]. نلحظ أنَّ " كان " هنا جاءت منفية ومنها نفهم المعنى: ليس مقبولاً في عرف العقل أو المنطق أو الدين أن يقرب الكفار المسجد، ولا أن يرعى مشرك المسجد أو يصونه لأن المسجد للعبادة، والعبادة تقتضي معبوداً هو الله سبحانه وتعالى، والكفار يشركون بالله، فمن المنطق - إذن - ألا يكون لهم دخل بالمساجد، إذن فمنعهم من المسجد إقامة وعمارة وزيارة هو شيء منطقي بشهادتهم على أنفسهم بالكفر، وهي سبب منعهم من الاقتراب من مساجد الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد