الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ }

في هذه الآية الكريمة يحض المولى سبحانه وتعالى على جهاد، وقتال أئمة الكفر، وعدم تركهم يستشرون في حربهم للدين، ومنع الناس عن الإيمان، وصدهم عن سبيل الله. و " أَلاَ " تسمى أداة تحضيض، مثل قولنا: أَلاَ تذهب إلى فلان، وهي حث على الفعل لأن التحضيض نوع من أنواع الطلب. وقوله تعالى: { نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } أي نقضوا عهودهم، وقوله تعالى: { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } أي: هم الذين بدأوا بالعداوة ومحاولة إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، وَ { هَمُّواْ } ، أي عقدوا النية على العمل، وقوله تعالى: { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي: أنهم هم الذين بدأوا بعداوة المسلمين والصد عن الإسلام من أول أن بدأ يدعو إليه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. والبدء هو: العمل الأول، و " المرة " هو فعل لا يتكرر لأنه إن تكرر نقول: { مَرَّتَيْنِ } ، مثل قول الحق سبحانه:ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ.. } [البقرة: 229]. هم إذن الذين بدأوا الفعل الأول بالعداوة. والإسلام - كما نعلم - قد واجه قوتين في مرحلتين مختلفتين من مراحل الدعوة للإسلام: قوة المشركين من قريش، وقوة اليهود، وأما قريش فقد هموا بأن يخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، وقد يقول قائل: لكن المؤمنين هم الذين بدأوا القتال في بدر. وأقول: لم يذهب المسلمون إلى بدر للقتال، بل ذهبوا من أجل العير تعويضاً عن مالهم الذي تركوه في مكة، ولكن الكفار قالوا: لن نرجع حتى نستأصل محمداً ومن معه، وجاءوا بالنفير ليقاتلوا في بدر. إذن فعلى الرغم من سلامة العير بحيلة من أبي سفيان إلا أن قريشاً هي التي أرادت القتال فجمعوا الجند والفرسان ليقاتلوا المسلمين. وكذلك فعل اليهود، فقد نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول من المدينة. كما حاول المشركون إخراجه من مكة، وكان بينه صلى الله عليه وسلم، وبين اليهود معاهدة، وهذه المعاهدة كانت من أوائل أعمال رسول الله في المدينة، فهل حافظ اليهود على هذه العهود؟. لا، فقد تعهدوا ألا يعينوا عدواً عليه، ونكثوا أيمانهم ونقضوا العهد فأعانوا قريشاً على المسلمين. وكذلك فعل بنو النضير، فقد أرادوا اغتياله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإلقاء صخرة عليه، بل وتمادى اليهود في غزوة الأحزاب وأعانوا قريشاً ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفقوا معهم على أن يدخلوهم من أرضهم بالمدينة ليفاجئوا رسول الله وجيش المسلمين من الخلف. إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } لها أكثر من حيثية، ونقضهم العهود وبدْؤُهم القتال يجعلكم تقاتلونهم لتأمنوا شرهم. { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. } [التوبة: 13]. وقوله تعالى: { أَلاَ تُقَاتِلُونَ } حث على القتال، أي: ما الذي يمنعكم من قتالهم إلا أن تكونوا خائفين منهم، ولذلك يقول تبارك وتعالى: { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } [التوبة: 13].

السابقالتالي
2