الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

ولم يقل الحق لرسوله: " إن تولوا وأعرضوا فاعتقد أن حسبك الله " لا، بل أعلنها للناس كافة حتى يسمعوها، ولعل في إعلانك لها ما يلفتهم إلى الحقيقة لأنك إن قلتها فلن تقولها إلا وعندك رصيد إيماني بها، وإن فعل أحدهم شيئاً ضدك فسوف يعاقبه الله. وحين تعلن: { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } بعد أن كذبوك، فالأحداث التي سوف تأتي بعد إعلانك { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } ستؤكد أن حسبك في مكانه الصحيح، ولله المثل الأعلى - أنت تقول: " حسبي نصرة فلان " لأنك تثق في قدرة فلان هذا، ولكن القوة في الحياة أغيار، وحين تقول: { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } فلا إله غيره سبحانه، ولا إله آخر يعارضه في هذا أو في غيره. وقل: { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } برصيد { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } و { لاۤ إِلَـٰهَ } نفي، و { إِلاَّ هُوَ } إثبات، إذن: ففي هذا القول { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } نفي منطقي مع سلب، وإثبات منطقي مع الإيجاب، وهنا نفي أيِّ ألوهية لغير الله، والاستثناء من ذلك هو الله، ورحم الله شيخنا عبد الرحمن عزام حين ترجم عن محمد إقبال شاعر باكستان الكبير، فقال:
إنَّما التوحيد إيجابٌ وسلبٌ   فيهما للنفسِ عزمٌ ومضاءُ
إيجاب في { إِلاَّ هُوَ } ، وسلب في { لاۤ إِلَـٰهَ } ، فيهما للنفس عزم ومضاء، أي: هما للنفس قطبا الكهرباء، فاسلب الألوهية من غير الله وأثبتها لله. والناس - كما نعلم - ثلاثة أقسام: قسم ينكر وجود إله للكون مطلقاً، وهم الملاحدة، وقسم ثان يقول: إن هناك الله الذي يوحده المسلمون لكن له شركاء ينفعوننا عند الله. وقسم ثالث يقول بوحدانية الله. وساعة نقول { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } نكون قد أثبتنا الألوهية لله، وأثبتنا أن لا شريك له، وأثبتنا ألا إله غيره، وسبحانه يقول: { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } وهذا أمر طبيعي، ويمكن أن نعرفه بالحساب ولذلك جاء بـ { حَسْبِيَ } من الحساب. واحسبها فلن تجد إلا الله. وما دام حسبك الله ولا إله إلا هو، فسبحانه يبسط عليك حمايته ونصرته لك، فمن العقل أن تضع نفسك بين يدي رسولك، الذي أبلغك البلاغ الكامل عن الله، وأن تتوكل عليه سبحانه. وما دام سبحانه هو حسبك ولا إله إلا هو، والواجب يفرض عليك أن تظل في مَعيَّته سبحانه، ومعيّة الله مرحلتان: الأولى بأخذ الأسباب التي أمدّ بها خلقه، ومعية إيمانك المطلق بأن الأسباب إن عجزت معك، فأنت تلجأ إلى مسبِّب الأسباب الموجود وهو رب الوجود. وترى - مثلاً - الناس وهي تحتاج إلى المياه لأنها ضرورة للحياة فيذهبون إلى البئر فلا يجدون الماء رغم وجود البئر لأن المياه التي تأتي من جوف الأرض لم تعد تتسرب إليه، ولماذا؟ لأن المخزون من ماء المطر الذي كان يأتي من أعالي الجبال ويتسرب تحت الأرض قد نفد، ولهذا نحتاج إلى مدد من أمطار السماء لتجري إلى المسارب تحت الأرض وتعود المياه إلى البئر.

السابقالتالي
2 3 4