الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ }

ومادة " استغاث " تفيد طلب الغوث، مثل " استسقى " أي طلب السقيا، و " استفهم " أي طلب الفهم، و " الألف " و " السين " و " التاء " توجد الطلب. و " استغاث " أي طلب الغوث من قوى عنه قادر على الإغاثة، وأصلها من الغيث وهو المطر، فحين تجدب الأرض لعدم نزول المطر ولا يجدون المياه يقال: طلبنا الغوث، ولأن الماء هو أصل الحياة لذلك استعمل في كل ما فيه غوث، وهو إبقاء الحياة، وفي حالة الحرب قد يفنى فيها المقاتلون لذلك يطلبون الغوث من الله عز وجل { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ }. و { تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } بضمير الجمع، كأنهم كلهم جميعاً يستغيثون في وقت واحد، وقد استغاث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطف القوم وقال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه واستقبل القبلة وقال: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم ائتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ". ويدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه كان يستغيث بالخالق الذي وعد بالنصر، ورد القوم خلفه: آمين، لأن أي إنسان يؤمن على دعاء يقوله إمام أو قائد فهو بتأمينه هذا كأنما يدعو مثلما يقول الإمام أو القائد. فمن يقول: " آمين " يكون أحد الداعين بنفس الدعاء. والحق سبحانه وتعالى هو القائل:وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [يونس: 88]. وهذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان موسى عليه السلام. ثم يقول الحق تبارك وتعالى بعدها:قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [يونس: 89]. مع العلم بأن سيدنا موسى عليه السلام هو الذي دعا، وقوله سبحانه من بعد ذلك { أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } دليل على أن موسى دعا وهارون قال: " آمين " فصار هارون داعياً أيضاً مثل أخيه موسى. { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } [الأنفال: 9]. { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } الألف والسين والتاء - كما علمنا - تأتي للطلب، وقول الحق سبحانه وتعالى { فَٱسْتَجَابَ } يعني أنه طلب من جنود الحق في الأرض أن يكونوا مع محمد وأصحابه لأن الله سبحانه وتعالى، خلق الكون، وخلق فيه الأسباب. نراها ظاهرة، ووراءها قوى خفية من الملائكة. والملائكة هم خلق الله الخفي الذي لا نراه ولا نبصره، إلا أن الله أخبرنا أن له ملائكة. فالملائكة ليست من المخلوقات المشاهدة لنا، وإنما إيماننا بالله، وتصديقنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله تعالى جعلنا نعرف أنه سبحانه وتعالى قد خلق الملائكة، وأخبرنا أيضاً أنه خلق الجن وصدقنا ذلك، إذن فحجة إيماننا بوجود الملائكة والجن هو إخبار الرسول الصادق بالبلاغ عن الله تعالى ومن يقف عقله أمام هذه المسألة ويتساءل: كيف يوجد شيء ولا يُرَى، نقول له: هذه أخبار من الله.

السابقالتالي
2 3