الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }

فالكفار - كما نعلم - وكما تحدثنا الآية الكريمة بعضهم أولياء بعض. فإن لم يتجمع المؤمنون ليترابطوا ويكونوا على قلب رجل واحد، فالكفار يتجمعون بطبيعة كفرهم ومعاداتهم للإسلام. وإن لم يتجمع المسلمون بالترابط نجد قول الحق تحذيراً لهم من هذا: { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال: 73]. فسبحانه يريد لنا أن نعلم أننا إن لم نعش كمسلمين متحدين ننحاز لبعضنا البعض في جماعة متضامنة، وتآلف وإيمان، إن لم نفعل ذلك فسوف تكون هناك فتنة شديدة وفساد كبير. لماذا؟. لأن المؤمنين إن لم يتجمعوا ذابوا مع الكافرين، وستوجد ذبذبة واختلال في التوازن الإيماني جيلاً بعد جيل. ولو حدث مثل هذا الذوبان، سيتربى الأولاد والأطفال في مجتمع يختلط فيه الكفر بالإيمان، فيأخذوا من هذا، ويأخذوا من ذاك، فلا يتعرفون على قيم دينهم الأصيلة، وقد يضعف المسلمون أمام إغراء الدنيا فيتبعون الكافرين. ولكن إن عاش المسلمون متضامنين متعاونين تكون هناك وقاية من أمراض الكفر، وكذلك لا يجترىء عليهم خصومهم. أما إذا لم يتجمعوا ولم يتحدوا فقد يتجرأ عليهم الخصوم ويصبحون قلة هنا، وقلة هناك وتضيع هيبتهم، ولكن إذا اتحدوا كانوا أقوياء، ليس فقط بإيمانهم، ولكن بقدرتهم الإيمانية التي تجذب غير المسلمين لهذا الدين. وينشأ الفساد الكبير حين لا يتضامن المسلمون مع بعضهم البعض فيجترىء عليهم غير المسلمين ويصبحون أذلةً وهم أغلبيةٌ، ولا يهابهم أحد مع كثرة عددهم، ولا يكونون أسوة سلوكية. بل يكونون أسوة سيئة للإسلام. ويقول الحق سبحانه وتعالى: { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 73]. فهل هذا توجيه من الله جل جلاله لهم، أو إخبار بواقع حالهم؟ لقد طلب الحق سبحانه وتعالى من المؤمنين أن يكونوا أولياء بعض، ولكن هل قوله تعالى: { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } هو طلب للكافرين، كما هو طلب من الله للمؤمنين؟ نقول: لا، لأن الذين كفروا لا يقرأون كلام الله عز وجل، وإذا قرأوه لا يعملون به. إذن فهذا إخبار بواقع كوني للكافرين. فعندما يطلب الله سبحانه وتعالى من المؤمنين أن يكونوا أولياء بعض، فهذا تشريع يطلب الله لأن يحرص عليه المؤمنون، أما إذا قال إن الكفار بعضهم أولياء بعض. فهذا إخبار بواقع كوني لهم. إن الإسلام جاء على أهل أصنام من قريش، ويهود في المدينة هم أهل كتاب، وكذلك كان الأوس والخزرج كفاراً مثل قريش ولكن الإسلام جمعهم وجعل بعضهم أولياء بعض، وكان بين الأوس والخزرج وبين اليهود قبل الإسلام عداء، وإن لم يصل إلى الحرب لأنهم كانوا يحتاجون لمال اليهود وعلمهم وأشياء أخرى، وكان اليهود يستفتحون على الأوس والخزرج بمجيء النبي محمد المذكور عندهم في التوراة ويقولون لهم: أطل زمان نبي سنتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم.

السابقالتالي
2