الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

الفئة الأولى في هذه الآية هم المهاجرون وقال فيهم الحق تبارك وتعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 72]. والفئة الثانية هم الأنصار الذين قال فيهم الحق تبارك وتعالى: { وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } [الأنفال: 72]. ثم يوحد الله تعالى بين المهاجرين والأنصار فيقول عز وجل: { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 72]. وبعض من العلماء فسر قول الحق: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 72] على أنها تشمل الالتحام الكامل، لدرجة أنه كان يرث بعضهم بعضاً أولاً - حسب قول العلماء - إلى أن نزلت آيات الإرث فألغت ذلك التوارث الذي كان بينهم. وقول الحق تبارك وتعالى:وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 75]. أبعدت هذا المعنى، وبعض العلماء قال: إن الولاية هي النصر، وهي المودة، وهي التمجيد، وهي الإكبار، فقالوا: هذه صفات الولاية، وهناك آية أخرى عن الأنصار يقول فيها الحق تبارك وتعالى:وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9]. وقد عرفنا الكثير عن الإيثار من الأنصار الذي قد بلغ مرتبة لا يتسامى إليها البشر أبداً إلا بصدق الإيمان، ذلك أن الرجل الذي يعيش في نعمة وله صديق أو حبيب يحب أن يتحفه بمشاركته في نعمته، فإذا كان عنده سيارة مثلاً يعطيها له ليستخدمها، وإذا كان له بيت جميل قد يدعوه للإقامة فيه بعض الوقت، وإذا كان عنده ثوب جميل أو فاكهة نادرة قد يعطيه منها، إلا المرأة فهي النعمة التي يأنف الرجل أن يشاركه فيها أحد. ولكن عندما وصل المهاجرون إلى المدينة وتركوا نساءهم في مكة، كان الأنصاري يجيء للمهاجر ويقول له: انظر إلى نسائي والتي تعجبك منهن أطلقها لتتزوجها. هذه مسألة لا يمكن أن يصنعها إلا الإيمان الكامل، وحين يصنعها الإيمان، فهذا الإيمان يجدع أنف الغيرة ويمنعها أن تتحرك، ولا يكون هناك من له أكثر من زوجة ومن هو محروم من المرأة. وقد حدد الحق لنا ميزة كل طائفة من طوائف المؤمنين وبَيَّنَ أحكامهم: فالطائفة الأولى المهاجرون الذين آمنوا وتركوا دينهم الذي ألفوه، ثم هاجروا وتركوا أوطانهم وبيوتهم وأموالهم وزوجاتهم وأولادهم وجمالهم وزروعهم، ثم بعد ذلك عملوا لينفقوا على أنفسهم بمال يكتسبونه وينفقون منه أيضاً على الجهاد مع أنهم تركوا أموالهم وكل ما يملكون في مكة، فكأنهم ضحوا بالمال وضحوا بالنفس. ودخلوا وهم قلة بلغت ما بلغت فلن تزيد عن ثلاثمائة ودخلوا في معركة مع الكثرة المشركة، ولم يكونوا واثقين من النصر ولكنهم كانوا يطلبون الشهادة. إذن فهم آمنوا، هذه واحدة، وهاجروا، وهذه الثانية، وجاهدوا بأموالهم هذه الثالثة، وجاهدوا بأنفسهم هذه الرابعة، وكانوا أسوة لأنهم سبقوا إلى الإيمان والجهاد فشجعوا غيرهم على أن يؤمنوا، ولذلك فلهم أجر من سن سنة حسنة، ولهم أجر من عمل بها، وهؤلاء هم السابقون الأولون ولهم منزلة عالية وعظيمة عند الله عز وجل.

السابقالتالي
2 3