الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ } [الأنفال: 60] يعني أن يكون الإعداد لكل من تحدث عنهم، وهم الذين قاتلوا وقتلوا وأصاب أهلهم ضرورة الثأر لمقتلهم، والذين أسروا، والذين نقضوا العهد نقضاً أكيداً أو نقضاً محتملاً، كل هؤلاء لا بد أن تعد لهم ما جاء به قول الحق تبارك وتعالى: { مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } [الأنفال: 60]. وهذا تكليف من الله تعالى لعباده المؤمنين الذين يجاهدون لإعلاء كلمته بضرورة أن يعدوا دائماً قدر إمكانهم ما استطاعوا من قوة. ولماذا قدر استطاعتهم؟ لأن الإنسان محدود بطاقة، ووراء قدرة المؤمنين قدرة الله سبحانه. ولذلك أنت تعد قدر ما تستطيع ثم تطلب من الله أن يعينك. وإذا ما صنعت قدر استطاعتك، إياك أن تقول: إن هذه الاستطاعة لن توصلني إلى مواجهة ما يملكه خصمي من معدات يمكن أن يهاجمني بها، فخصمك ليس له مدد من السماء إنما أنت لك المدد السماوي، وما دام لك هذا المدد فقوتك بمدد الله تجعلك الأقوى مهما كان عدوك، ولذلك عندما يحدث الله تعالى المؤمنين يوضح لهم: إياكم أن تخافوا من كثرة عدد عدوكم، والمطلوب منكم أن تعدوا له ما استطعتم من قوة وحتى أطمئنكم أني معكم، تذكروا آية واحدة أنزلتها، وهي:سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [آل عمران: 151]. وساعة يلقي الله عز وجل في قلوب الذين كفروا الرعب سيلقون سلاحهم ويفرون من ميدان القتال ولو كانوا يحاربون بأقوى الأسلحة، وسيتمكن المؤمنون منهم وينتصرون عليهم بأية قوة أعدوها. وقوله تعالى: { مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } [الأنفال: 60]. هذه القوة قد تكون ذاتية في النفس بحيث لا تخاف شيئاً، فجسم كل مقاتل قوي ممتلىء بالصحة وله عقل يعمل باقتدار وإقبال على القتال في شجاعة، بالإضافة إلى قوة السلاح بأن يكون سلاحاً حديثاً متطوراً بعيد المدى، وأن يحرص المؤمنون على امتلاك كل شيء موصول بالقوة. وكان الهدف قديماً وحديثاً أن يمتلك المقاتل قوة تمكنه من عدوه ولا تمكن عدوه منه. وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مدى رمي السهام هو رمز القوة. فأول ما تبدأ الحرب يضربون العدو بالنبال، فإذا زحف العدو وتقدم يستخدمون له الرماح، فإذا تم الالتحام كان ذلك بالسيوف. وكانت أحسن قوة في الحرب هي السهام التي ترمي بها خصمك فتناله وهو بعيد عنك، ولا يستطيع أن ينالك أو يقترب منك. ولذلك عندما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوة قال فيما يرويه عنه عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } [الأنفال: 60] ثم قال: " ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي " ".

السابقالتالي
2 3 4