الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ }

وساعة تسمع كلمة " فئة " فاعلم أن معناها جماعة اختصت بخوض المعارك في ميدان القتال، فليست مطلق جماعة، بل هي جماعة مترابطة من المقاتلين لأن كل مقاتل يفيء لغيره من زملائه، أي جماعة أخرى غير مترابطة تستطيع تفريقهم بصرخة أو عصا، أما المقاتلون فأنت لا تصرفهم إلا بقوة أكبر منهم، ويحاول كل منهم أن يحمي زميله، إذن فكل منهم يفيء إلى الآخرين. والحق تبارك يقول:كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ.. } [البقرة: 249]. ويقول الحق سبحانه وتعالى:قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ.. } [آل عمران: 13]. إذن فالفئة هي جماعة في الحرب. وقوله تعالى: { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ.. } [الأنفال: 45]. يُقصد به ساعة حدوث المعركة ونشوب القتال لأن الحرب تقتضي أولاً إعداداً، ثم تخطيطاً يتم قبل الإلتحام ثم ذهاباً إلى مكان المعركة. وقوله تعالى: { إِذَا لَقِيتُمْ } أي أن المسألة قد وصلت إلى المواجهة مع الكفار. ويقول الحق تبارك وتعالى: { فَٱثْبُتُواْ } والثبات هنا معناه المواجهة الشجاعة، لأن الإنسان إذا ما كان ثابتاً في القتال، فالعدو يخشاه ويهابه، وإن لم يكن كذلك فسوف يضطر إلى النكوص، وهذا ما يُجرىء الكفار عليكم. وما دمتم قد جئتم إلى القتال، فلا بد أن يشهد الأعداء شجاعتكم لأنكم إن فررتم فهذه شهادة ضعف ضدكم. ولذلك لا بد من التدريب على الثبات والقتال، وهذا هو الإعداد المسبق للحرب بالتدريب القوي والتخطيط الدقيق، وألاَّ يتولى أحد منكم ويفر لحظة الزحف لأن هذا العمل هو من أكبر الكبائر، والحق سبحانه وتعالى يقول:وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ.. } [الأنفال: 16]. { يُوَلِّهِمْ } أي يعطيهم، و { دُبُرَهُ } أي ظهره، وهذا تقبيح لعملية الفرار، لأن الدبر محل الصيانة ومحل المحافظة. ونعلم أن هناك من قال للإمام عليّ - كرم الله وجهه -: إنَّ درعك له صدار وليس له ظهر، أي أن الدرع يحمي صدرك إنما وراءك لا يوجد جزء من الدرع ليحمي ظهرك. فقال: لا كنت إن مكنت خَصمي من ظهري، أي أنه - كرّم الله وجهه - يفضل الاستشهاد على أن يُمَكِّن خصمه من ظهره، فلو أنَّ درعه من الأمام ومن الخلف، ففي هذه الحالة يكون في نيته أن يمَكِّن خصمه من ظهره، ولذلك جعل الدرع يحمي الصدر فقط، وهو على يقين أنه لن يدير ظهره لعدوه، ويسمون تلك الحالة الأخرى " ظاهرة ضبط النفس " أي أنها طريق لمنع الشيء أن يحدث ولو في ساعة الشدة لأن المقاتل حين يدخل المعركة، وهو يحمي صدره فقط فهو لا يتولى ليفر لأنه يعلم أنه لو تولى فسيكشف لهم ظهره وسيتمكن منه عدوه وسوف يُقتل.

السابقالتالي
2 3