الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

و " إذ " تأتي للظرف أيضاً، ولم يقل سبحانه وتعالى: واذكر أن قالوا، بل قال: " إذ قالوا ". وقد بلغ بهم العجز إلى أن قالوا إن كان هذا القرآن هو الحق القادم من عندك فأمطر علينا حجارة، أو ائتنا بعذاب أليم. أليس هذا الكلام دليلاً على غباء قائليه؟ بالله لو كان عندهم عقل ومنطق وتفكير، أكانوا يقولون ذلك؟ ألم يكن من المناسب أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، أو فاجعلنا نقبله؟. وما داموا قد قالوا: " اللهم " فالمنادى هو الله. { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ.. } [الأنفال: 32]. إذن هم يعلمون أن لله عز وجل عنديةً، وفيها حق، وهكذا نرى أنهم اعترفوا بوجود الله، وأنَّ عند الإله حقاً. فكيف إن جاء إنسان وقال لكم: إنني رسول من عند الله، وهذا هو المنهج، وهو منهج ومعجزة في وقت واحد، ألم يكن من الواجب أن تستشرف آذانكم إلى من يبلغ عن الله هذا الحق وأن تستجيبوا له؟. لكن ما داموا قد استمطروا على أنفسهم اللعنة والعذاب، فهذا دليل كراهيتهم لمحمد، ومن أجل هذه الكراهية دعوا الله أن ينزل عليهم العذاب كما فعل بالأمم السابقة - وطلبهم هذا للعذاب يدل على أنهم علموا أن من يكذب الرسل ويرفض المنهج إنما يتلقى العذاب من الله. وهكذا يتبين لنا أن ما ينقصهم لإعلان الإيمان هو عدم قبولهم لرسول الله شخصياً، ويتمثل هذا في قول الحق تبارك وتعالى في آية أخرى:وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31]. إذن لو أن القرآن نزل على شخص آخر لآمنوا به. وفي هذا اعتراف بأن القرآن معجزة، ومنهج. وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ورد على لسان أبي جهل وهذا يدل على كثرة جهله وشدة تكذيبه وعناده وعتوه هو ومن معه من المشركين المكذبين. فعن أنس بن مالك: قال أبو جهل بن هشام: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فنزلت: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }. وهؤلاء المعاندون قالوا أيضاً:أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً.. } [الإسراء: 92]. وهذا دليل على التخبط في الكلام، وفقدان الوعي العقلي. { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. والحق سبحانه وتعالى قادر على أن يصيب بالعذاب قوماً بعينهم وقادر على نجاة المؤمنين، وشاء الله سبحانه ألا ينزل العذاب لأن رؤية المتألم حتى ولو كان عدوّاً، فيه إيلام - لذلك قال الحق سبحانه وتعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ... }.