الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }

وساعة ما تسمع: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } أي أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، و " أخاهم " موقعها الإِعرابي " مفعول به " ويدلنا على ذلك قوله في الآية السابقة: { أَرْسَلْنَا نُوحاً } ، وكذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً. وكلمة " أخاهم " تُشْعرُ بأشياء كثيرة إنه من جنسهم، ولغته لغتهم، وأنسهم به، ويعرفون كل شيء وكل تاريخ عنه، وكل ذلك إشارات تعطى الأنس بالرسول فلم يأت لهم برسول أجنبي عاش بعيداً عنهم حتى لا يقولوا: لقد جاء ليصنع لنفسه سيادة علينا. بل جاء لهم بواحد منهم وأرسل إليهم " أخاهم " وهذا الكلام عن " هود ". إذن كان هود من قوم عاد، ولكن هناك رأي يقول: إن هوداً لم يكن من قوم عاد، ولأنَّ الأخوة نوعان: أخوَّة في الأب القريب، أو أخوّة في الأب البعيد، أي من جنسكم، من آدم فهو إمّا أخ من الأب القريب، وإمّا أخ من الأب البعيد. وقد قلنا من قبل: إن سيدنا معاوية كان يجلس ثم دخل عليه الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين، رجل بالباب يقول إنه أخوك، فتساءلت ملامح معاوية وتعجب وكأنه يقول لحاجبه: ألا تعرف إخوة أمير المؤمنين؟ وقال له: أدخله، فأدخله. قال معاوية للرجل: أي إخوتي أنت؟! قال له: أخوك من آدم. فقال معاوية: رحم مقطوعة - أي أن الناس لا تتنبه إلى هذه الأخوة - والله لأكونن أول من وصلها. { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [الأعراف: 65]. ونلحظ أن الحق قال على لسان سيدنا نوح لقومه:فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الأعراف: 59]. وأرسل الحق هوداً إلى عاد، لكن قول هود لقوم عاد يأتي: { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }. وهنا " قال " فقط من غير الفاء وجاء في قول نوح: " فقال ". وهذه دقة في الأداء لننتبه لأن الذي يتكلم إله ورب، فتأتي مرة بـ " فاء " وتأتي مرة بغير " فاء " رغم أن السياق واحد، والمعنى واحد والرسول رسول، والجماعة هم قوم الرسول. ونعلم أن " الفاء " تقتضي التعقيب، وتفيد الإِلحاح عليهم، وهذا توضحه سورة نوح لأن الحق يقول فيها:قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }

السابقالتالي
2