الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

هنا ربوبية، وهنا ألوهية: { رَبَّكُمُ ٱللَّهُ } ولا أحد يختلف في مسألة الربوبية لأن الحق يقول على ألسنة الكافرين والمشركين:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ.. } [الزمر: 38]. وكذلك إن سألتهم من خلقهم؟ سيقولون: الله، ولم يدّع أحد لنفسه مسألة الربوبية، لأن الربوبية جاءت بنفع لهم، لكن الألوهية دخلت بمنهج هو: " افعل ولا تفعل " لأن التكليف من الإله الرب، والتكليف نعمة منه وهو لمصلحتكم أنتم، فلا شيء في التكليف يعود على الله. وفعلكم الحسن أو السيء لن يعطي لله صفة لم تكن له لأن صفات الكمال أزلية، وبصفات الكمال خلقكم أنتم، إذن فأنتم لن تأتوا بصفة ما، بل بصفات الكمال أوجدكم. وإن كنتم أنتم في شك في هذه الربوبية فربكم هو الله - ولله المثل الأعلى - منزه عن التشبيه، كأن تقول الأم للولد: قال لك أبوك لا تسهر خارج المنزل ليلاً، فيتأبى الولد. وتنبه الأم ولدها: إن أباك هو الذي يأتي لك بالأكل والشرب، والملابس ويعطيك مصروف اليد.. إلخ. وقد ضربت هذا المثل لأشرح كيف أن المُكَلف هو الرزَّاق ولا أحد سواه يرزق، لذلك كان يجب أن تقبل تكاليفه لأن سبق لك بالفضل بأن أعطى لك وسخر لك الدنيا. ومن قبل فصل الحق سبحانه لنا خلق الإنسان، ويفصل لنا هنا خلق السماء والأرض لأن ظرف وجود الإنسان هو السماء والأرض، وكل الخيرات تأتي له من السماء ومن الأرض، وإذا كان الله قد علمنا كيف خلقنا، فهو هنا يعلمنا كيف خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان وخلق السماوات والأرض مسألتان ينشغل بهما العلم الحديث، فمن العلماء من قال: إن الأرض انفصلت عن الشمس، ومنهم من افترض نظرياً أن الإنسان أصله قرد، ولهؤلاء نقول: هذا حكم منكم لا يُقبل لأنكم لم تشهدوا الخلق، ولذلك فعليكم أن تسمعوا ممن خلق الخلق ليقول لكم كيف خلق الخلق. هو سبحانه يقول: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54]. والآية تتعرض للخلق الأول وهو السموات والأرض - كما أوضحت - وهو الظرف الوجودي للإنسان الخليفة وطرأ الإنسان على هذا الكون بكل ما فيه من قوى ونواميس، فكأن الله أعد الكون للخليفة قبل أن يُخلَق الخليفة ليجيء الخليفة فيجد كوناً مسخراً له ولا يستطيع أي كائن منه أن يخرج عن مراد الله في شيء { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ }. ومعنى " خلق " أي أوجد شيئاً كان معدوماً وبرأه على غير مثال سبقه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8