الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

وما دام العباد سينقسمون أمام صاحب الرسالة والكتاب الذي جاء به إلى من يقبل الهداية، ومن يحتاج إلى النذارة لذلك يقول لهم: { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ.. } [الأعراف: 3]. وينهاهم عن الشرك وعدم الاستهداء أي طلب الهداية فيقول: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 3]. وحينما يأتي الحق سبحانه في مثل هذه الآيات ويقول: " وذكرى ". أو " وذكِّر " إنما يلفتنا إلى أن الفطرة المطبوعة عليها الإِنسان مؤمنة، والرسالات كلها لم تأت لتنشئ إيماناً جديداً، وإنما جاءت لتذكر بالعهد الذي أخذ علينا أيام كنا في عالم الذر، وقبل أن يكون لنا شهوة اختيار:وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ.. } [الأعراف: 172]. هذا هو الإقرار في عالم الذر، إذن فحين يقول الحق: { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } فنحن نلتفت إلى ما نسي الآباء أن يبلغوه للأبناء فالآباء يعلمون الأبناء متطلبات حياتهم، وكان من الواجب أن يعلموهم مع ذلك قيم هذه الحياة التي تلقوها لأن آدم وحواء أول ما نزلا إلى الأرض قال لهما الحق:فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ.. } [طه: 123]. وهكذا نعلم أن هناك " هدى " قد نزل على آدم، وكان من الواجب على آدم أن يعلمه للأبناء، ويعلمه الأبناء للأحفاد، وكان يجب أن يظل هذا " الهدى " منقولاً في سلسلة الحياة كما وصلت كل أقضية الحياة. ويأتي سبحانه لنا بحيثيات الاتباع. { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ.. } [الأعراف: 3]. فالمنهج الذي يأتي من الرب الأعلى هو الذي يصلح الحياة، ولا غضاضة على أحد منكم في أن يتبع ما أنزل إليه من الإله المربي القادر. الذي ربّى، وخلق من عدم، وأمد من عُدْم، وهو المتولي للتربية، ولا يمكن أن يربي أجسادنا بالطعام والشراب والهواء ولا يربي قيمنا بالأخلاق. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ }. ومادام قد أوضح: اتبعوا ما أنزل إليكم من أعلى، فلا يصح أن تأتي لمن دونه وتأخذ منه، مثلما يفعل العالَم الآن حين يأخذ قوانينه من دون الله ومن هوى البشر. فهذا يحب الرأسمالية فيفرضها بالسيف، وآخر يحب الاشتراكية فيفرضها بالسيف. وكل واحد يفرض بسيفه القوانين التي تلائمه. وكلها دون منهج الله لأنها أفكار بشر، وتتصادم بأفكار بشر، والأولى من هذا وذاك أن نأخذ مما لا نستنكف أن نكون عبيداً له. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 3]. وتذكر أيها المؤمن أن عزتك في اتباع منهج الله تتجلّى في أنك لا تخضع لمساوٍ لك، وهذه ميزة الدين الذي يجعل الإنسان يحيا في الكون وكرامته محفوظةً، وإن جاءته مسألة فوق أسبابه يقابلها بالمتاح له من الأسباب مؤمناً بأن رب الأسباب سيقدم له العون، ويقدم الحق له العون فعلاً فيسجد لله شاكراً، أما الذي ليس له رب فساعة أن تأتي له مسألة فوق أسبابه تضيق حياته عليه وقد ينتحر.

السابقالتالي
2