الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

وهذه الآية هي الوحيدة التي جاء فيها سبحانه وتعالى: { ٱلْمُهْتَدِي } - بالياء - بينما جاء المولى سبحانه وتعالى بكلمة " المهتد " - من غير ياء - في آيات متعددة عدا هذه الآية: واقرأ قوله تعالى:وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } [الإسراء: 97]. ويقول الحق:فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد: 26]. وكذلك تأتي الكلمة بدون " ياء " في قوله سبحانه:مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } [الكهف: 17]. والمعركة الخاصة بقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم، ولا تزال أيضاً ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن، وأوضحنا هذه القضية من قبل ولكننا نكررها للتأكيد ولتستقر في الأذهان، لأن هناك دائماً من يقول: إذا كان الله هو الهادي والمضل، فلماذا يعذبني إن ضللت؟. وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة. ونقول لكل مجادل: لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت؟ ولماذا لا تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت؟. إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر. ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم. وضرَبْنا من قَبْلُ أمثلةً كثيرة. لنفرق في هذه المسائل بين المختلفين لأن الجهة عندهم منفكة. وهم قد ناقشوا مسألة " خلق أفعال العباد " وتساءلوا: مَنْ خلق هذه الأفعال؟ هل خلقها الله أم أن العبد يخلق أفعاله؟. ونسأل: ما هو الفعل؟. إنه توجيه طاقة لإحداث حدث فطاقة اليد أنها تعمل أيَّ عمل تريده منها قد تضرب بها إنساناً أو تحمل بها إنساناً واقعاً على الأرض، أو تربت بها على اليتيم. إذن ففي اليد طاقة تصلح لأن تفعل الخير وتفعل الشر، وأنت لحظة أن تضرب إنساناً فأي عضلة تحركها حين ترتفع اليد لتضرب؟. إنك بمجرد رغبتك في أن تضرب تضرب عكس الإنسان الآلي حين يرفع شيئاً، فله أجزاء وأزرار تعمل. وكلها آلات. وأنت حين تربت على كتف يتيم، ما هي الأعضاء والأجهزة التي تحركها لتعمل هذا العمل؟. إذن فالله هو الذي خلق فيك الانفعال للفعل. فإن نظرت إلى ذلك، فكل فعل من الله، ولكن توجيه الجارحة إلى الفعل هو محل التكليف. إذن فأنت تحاسب لأنك فعلت، لا لأنك خلقت لأن خالق الأفعال هو الله سبحانه وتعالى، وأنت تفعل بمجرد الإرادة والاختيار، مثل اللسان فيه طاقة مخلوقة لبيان ما في النفس إن أردت أن تقول بها " لا إله إلا الله " صلحت، وصلحت كذلك عند الملحد أن يقول - والعياذ بالله - لا يوجد إله. واللسان لم يعص في هذه ولا في تلك.

السابقالتالي
2