الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وتَأَذَّن نجد مادتها من الهمزة والذال والنون، فمنه أُذُن، ومنها أَذَان، وكلها يراد بها الإِعلام، والوسيلة للإِعلام هي الأذن والسمع، حتى الذي سنُعلمه بواسطة الكتابة نقول له ليسمع. ثم يكتب ويقرأ، وما قرأ إلا بعد أن سمع لأنه لن يعرف القراءة إلا بعد أن يسمع أسماء الحروف " ألف " ، " باء " إلخ، ثم تهجاها. إذن فلا أحد يقرأ إلا بعد أن يسمع، وهكذا يكون السمع هو الأصل في المعلومات، ونقرأ في القرآن:إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [الانشقاق: 1-2]. وأذنت لربها.. أي سمعت لربها، فبمجرد أن قال لها: " انشقي " امتثلت وانشقت. { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [الأعراف: 167]. والكلام هنا بالنسبة لبني إسرائيل، ويبين لنا سبحانه أنهم مع كونهم مختارين في أن يفعلوا، " فإن مواقفهم الإِيمانية ستظل متقلبة مترددة، ولن يهدأ لهم حال في نشر الفساد وإشاعته، ولذلك يسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب ولماذا؟. لأنهم منسوبون لدين، والله لا يسوم العذاب للكافر به وللملحد، لأنه بكفره وإلحاده خرج عن هذه الدائرة، إذا لم يبعث الله له رسولاً. ولكن المنسوب لله ديانة، والمنسوب لله رسالة، والمنسوب لله كتاباً إذا فسد مع كون الناس ويعلمون عنه أنه تابع لنبي، وأن له كتاباً، حينئذ يكون أسوة سيئة في الفساد للناس، فإذا ما سلط الله عليهم العذاب فإنما يسلط عليهم لا لأجل الفساد فقط، ولكن لأنه فساد منسوب لمن هو منسوب إلى الله. وعرفنا أن مادة أذن كلها مناط الإِعلام، وحينما تكلم الله عن خلقنا قال:وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ.. } [النحل: 78]. إنّ الحق - سبحانه - يسمي العرب المعاصرين لرسول الله أميين، أي ليس عندهم شيء من أسباب العلم، وسبحانه خلق لنا وسائل العلم. بأن جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، وهي وسائل العلم التي تبدأ بالسمع ثم بالأبصار ثم الأفئدة. ومن العجيب أنه رتبها في أداء وظيفتها لأن الإِنسان منا إذا كان له وليد - كما قلنا سابقاً - ثم جاء أحد بعد ميلاده ووضع أصبعه أمام عينيه فإنه لا يطرف لأنه عينيه لم تؤديا بعد مهمة الرؤية، وعيون الوليد لا تؤديان مهمة الرؤية إلا بعد مدة من ثلاثة أيام إلى عشرة، ولكنك إذا جئت في أذنه وصرخت انفعل. إن هذا دليل على أن أذنه أدت مهمتها من فور ولادته، بينما عيناه لا تؤديان مهمة الرؤية إلا بعد مدة، فأولاً يأتي السمع، ثم يأتي البصر، ومن السمع والبصر تتكون المعلومات، فتنشأ عند الإِنسان معلومات عقلية، ويقولون للطفل مثلاً: إياك أن تقبل على هذه النار حتى لا تحرقك، فلا يصدق، ومنظر النار يجذبه فيلمسها، فتلسعه مرة واحدة، وبعد أن لسعته النار مرة واحدة، لم يعد في حاجة إلى أن يتكرر له القول: بأن النار محرقة.

السابقالتالي
2 3 4