الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

هنا يأمر الحق رسوله بالآتي: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } في رسالة تعم الزمان، وتعم المكان. وفي ذلك يقول رسول الله: " أعطيت خمساً لم يُعْطَهن أحد من الأنبياء قبلي.. نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة وأعطيت الشفاعة ". ثم بعد ذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يثبت عمومية الرسالة بعمومية تسخير الكون للخلق لذلك كان الحديث موجهاً إلى كافة الناس: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ }. وكل من يطلق عليهم ناس فالرسول مرسل إليهم: { إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } وأراد سبحانه أن يعطينا الحيثيات التي تجعل لله رسولاً يبلغ قومه وكافة الأقوام منهج الله في حركة حياتهم، فقال: { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }. وما دام هو الذي يملك السماوات والأرض، ولم يدّع أحد من خلقه أنه يملكها، وفي السماوات والأرض وما بينهما حياتنا ومقومات وجودنا فهو سبحانه أولى وأحق أن يعبد. ولو أن السماء لواحد، والهواء لواحد، والأرض لواحد، وما بينهما لواحد لكان من الممكن أن يكون إله هنا، وإله هناك وإله هنالك. وفي هذا يقول الحق:إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ.. } [المؤمنون: 91]. إذن فما دام الوجود كله من السماوات والأرض وما سواهما لله، فهو الأوْلى أن يعبد، وأول قمة العبادة أن تشهد بأن لا إله إلا الله، وحيثية ألوهيته الأولى أن له ملك السمٰوات والأرض. وما دام إلهاً فلا بد أن يطاع، ولا يطاع إلا بمنهج، ولا منهج إلا بافعل ولا تفعل. وأول المنهج القمة العقدية إنه هو التوحيد. وجعل الله للتوحيد حيثية من واقع الحياة فقال: { يُحْيِـي وَيُمِيتُ }. وهذا أمر لم يدعه أحد أبداً لأن الله هو الذي له ملك السماوات والأرض، ولأنه يحيي ويميت. ولذلك نجد من حاجّ إبراهيم في ربه يقول الحق عنه:أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ.. } [البقرة: 258]. وحاول هذا الملك أن يدير حواراً سفسطائياً مضللاً ليفحم ويسكت إبراهيم - عليه السلام - فقال:أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ.. } [البقرة: 258]. وذلك بأن يأمر بقتل إنسان ثم يعفو عنه، وهو بذلك لا يميته بل يحييه في منطق السفسطائيين. لكن هل الأمر بالقتل هو الموت؟. طبعاً لا لأن هناك فارقاً بين الموت والقتل، فقد يقتل إنسان إنساناً آخر، لكنه لا يمكن أن يميته لأن الموت يأتي بدون هدم بنيته بشيء برصاصة أو بحجر أو بقنبلة. ولا أحد قادر على أن يميت احداً إذا رغب في أن يميته، فالموت هو الحادث بدون سبب، لكن أن يقتل إنسان إنساناً آخر فهذا ممكن، ولذلك يقول الحق سبحانه عن نفسه: { يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ.

السابقالتالي
2 3