الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

فهذه تسع صفات لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أن الله أوحى إليه كتاباً مختصاً به وهو القرآن، وأنه صاحب المعجزات، وأنه بلّغ ونبأ بأفضل وأتم العقائد والعبادات والأخلاق - وهو - عليه الصلاة والسلام - الأمي الذي لم يمارس القراءة والكتابة ولم يجلس إلى معلم، فهو - عليه السلام - باقٍ على الحالة التي ولد عليها، وقد ذكره ربّه - جل وعلا - باسمه وصفاته ونعوته عند اليهود والنصارى في التوراة والإِنجيل وقد كتمها الكافرون منهم أو أساءوا تأويلها، كما وصفه ربه بأنه يأمرهم بالمعروف ويكلفهم بفعل ما تدعوا إليه الطبائع المستقيمة والفطر السليمة لأن في ذلك النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يزجرهم وينهاهم عن كل منكر مستهجن تستقبحه الجبلة القويمة، والخلقة السوية، ويحل لهم ما حرم عليهم من الطيبات التي منعوا منها وحظرها الله عليهم جزاء طغيانهم وضلالهم، ويحرم عليهم كل ضار وخبيث: كأكل الميتة والمال الحرام من الربا والرشوة والغش، ويخفف عنهم ما شق عليهم وثقل من التكاليف التي كانت في شريعة موسى - عليه السلام - كقطع الأعضاء الخاطئة وتحريم الغنائم عليهم ووجوب إحراقها، وكذلك يخفف الله ويحط عنهم المواثيق الشديدة التي فرضت عليهم عقاباً لهم على فسوقهم وظلمهم. يقول - جل شأنه -:فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [النساء: 160-161]. وهكذا أعلم الله الرسل السابقين على سيدنا رسول الله أن يبلغوا أقوامهم بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يؤمن الأقوام التي يشهدون ويعاصرون رسالته صلى الله عليه وسلم، صحيح أن رسول الله لم يكن معاصراً لأحد من الرسل، ولكن البشارة به قد جاءت بها أنبياؤهم وسجلت في الكتب المنزلة عليهم، وكل رسول سبق سيدنا محمداً صلوات الله وسلامه عليه، قد أمره الله أن يبلغ الذين أرسل إليهم أن يتبعوا الرسول محمداً ويؤمنوا به ولا يتمسكوا بسلطة زمنية ويخافوا أن تنزع منهم. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء ومعه معجزة وبينة فلا بد أن يؤمنوا به.وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ.. } [آل عمران: 81]. إذن فقد صنع الله سبحانه وتعالى خميرة إيمانية حتى لا يتعارض أتباع الأديان. ولا يفهم أصحاب دين موجود أن ديناً آخر جاء لينسخه ويأخذ منه السلطة الزمنية لأن رسالة الإِيمان موصولة وتحدث الأقضية للناس بامتداد الزمان. فكل الرسل يحرصون على أن تكون الحياة آمنة سعيدة تتساند فيها المواهب ولا تتعاند فيها الحركات.

السابقالتالي
2 3