الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }

وكلمة " اختار " تدل على أن العمل الإِختياري يُرجح العقل فيه فعلاً على عدم فعل أو على فعل آخر، وإلا فلا يكون في الأمر اختيار لأن " اختار " تعني طلب الخير والخيار، وكان في مكنتك أن تأخذ غيره، وهذا لا يتأتى إلا في الأمور الاختيارية التي هي مناط التكليف، مثال ذلك: اللسان خاضع لإِرادة صاحبه الاختيارية التي هي مناط التكليف، مثال ذلك: اللسان خاضع لإِرادة صاحبه فخضع للمؤمن حين قال: لا إله إلا الله، وخضع للملحد حين قال - لعنه الله -: لا وجود لله، ولم يعص اللسان في هذه، ولا في تلك. والذي رجح أمراً على أمر هو ترجيح الإِيمان عند المؤمن في أن يقول: لا إله إلا الله، وترجيح الإِلحاد عند الملحد في أن يقول ما يناقض ذلك. والحق هنا يقول: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً }. والذين درسوا اللغة يقولون: إن هناك حدثاً. وأنّ هناك موجداً للحدث نسميه فاعلاً مثل قولنا: " كتب زيد الدرس " أي أن زيداً هو الذي أدى الكتابة، ونسمي " الدرس " الذي وقعت عليه الكتابة مفعولاً به، ومرة يكون هناك ما نسميه " مفعولاً له " أو " مفعولاً لأجله " مثل قول الابن: قمت لوالدي إجلالاً، فالذي قام هو الابن، والإِجلال كان سبباً في إِيقاع الفعل فنسميه " مفعولاً لأجله ": ونقول: " صُمْت يوم كذا " ونسميه " مفعولاً فيه " ، وهو أن الفعل، وقع في هذا الزمن. فمرة يقع الحدث على شيء فيكون مفعولاً به، ومرة يقع لأجل كذا فيكون مفعولاً لأجله، ومرة يقع في يوم كذا العصر أو الظهر فيكون مفعولاً فيه، ومرة يكون مفعولاً معه " مثل قولنا: سرت والنيل: أي أن الإِنسان سار بجانب النيل وكلما مشى وجد النيل في جانبه. وهنا يقول الحق: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا.. } [الأعراف: 155]. ولأن اختيار موسى للسبعين كان وقع من القوم فيكون المفعول قد جاء من هؤلاء القوم، ويسمى " مفعولاً منه " لأنّه لم يخترهم كلهم، إنما اختار منهم سبعين رجلاً لميقاته مع الله سبحانه. وقالوا في علة السبعين إن من اتبعوا موسى كانوا أسباطاً، فأخذ من كل سبط عدداً من الرجال ليكون كل الأسباط ممثلين في الميقات، وكلمة " ميقات " مرت قبل ذلك حين قال الله:وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ.. } [الأعراف: 143]. وهل الميقات هذا هو الميقات الأول؟ لا لأن الميقات الأول كان لكلام موسى مع الله، والميقات الثاني هو للاعتذار عن عبدة العجل. { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ.

السابقالتالي
2 3