الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ }

وقوله: { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد ذهابه لميقات ربه بعد أن قال لهارون: { ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }. بعد ذلك اتخذ قوم موسى من حليهم عجلاً جسداً له خُوار، ونعرف أن الحلي هو ما يُتَزين به من الذهب، والجواهر والأشياء الثمينة، وسيد هذه الحلي هو الذهب دائماً، ونعلم أن الصائغ الماهر يشكل الذهب كما يريد، وإن انكسر يسهل إصلاحه، كما أن كسر الذهب بطيء، ولذلك يقال: إن الذهب كالإِنسان الطيب، كسره بطيء، وانجباره سهل. وساعة نسمع كلمة " زينة " قد يدخل فيها الماس والزمرد، والياقوت، لكن الذهب سيد هذه الحلي. ونعلم أن العالم مهما ارتقى، فلن يكون هناك رصيد لأمواله إلا الذهب، ولذلك لم يأت سبحانه بالياقوت، أو بالجواهر، أو بالماس. ولذلك إذا أطلقت كلمة " الحلي " فالمراد بها الذهب. وهذه الزينة هي التي صنع منها موسى السامري تمثال العجل، وبطبيعة الحال أخذ الحلي الذهبية لأن الماس والجواهر لا يمكن صهرها. لكن من أين جاء قوم موسى بالحلي وقد كانوا مستضعفين، ومستذلين؟ لقد احتالوا على أهل مصر وأخذوا منهم الحلي كسلفة سيردونها من بعد ذلك. ثم جاء رحيلهم فأخذوا الحلي معهم! وغرق قوم فرعون وبقيت الحلي مع قوم موسى، وصنع موسى السامري من ذهب هذه الحلي عجلاً، والعجل هو الذكر من ولد البقر، وساعة تسمع قوله: { عِجْلاً جَسَداً } أي أنه مُحَجَّم، أي له حجم واضح. وأخذ أهل التفسير من كلمة " جسداً " أن ذلك العجل هو بدن لا روح له، مثلما نقول: " فلان هذا مجرد جثة ". أي كأنه جثة بلا روح. وقوله الحق: { عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } ، هذا القول يدل على أن جسدية العجل لم تكن لها حياة لأنه لو كان جسداً فيه روح لما احتاج إلى أن يقول عجلاً جسداً له خوار، ولاكتفي بالقول بأنه عجل. لكن قوله سبحانه: { لَّهُ خُوَارٌ } دليل على أن الجسدية في العجل لا تعطي له الحياة. وجاء بالوصف في قوله: { لَّهُ خُوَارٌ } والخُوار هو صوت البقر. وقد صنعه من الذهب وكأنه يريد أن يتميز عن الآلهة التي كانت من الأحجار، وحاول أن يجعله إلهاً نفيساً، فصنعه - كما نعرف - من الحلي المسروقة، وصنعه بطريقة أن هذا العجل الجسد إذا ما استقبل من دبره هبة الهواء صنعت وأحدثت في جوفه صوتاً يشبه صوت وخوار البقر الذي يخرج من فمه، وهذه المسألة نراها في الناي وهو أنبوبة من القصب مما يسمى الغاب البلدي وتصنع به ثقوب، ويعزف عليه العازف ليخرج منه النغمة التي يريدها. وحين صنع موسى السامري العجل بهذه الحيلة، حدث هذا الصوت مشابهاً لخوار البقر.

السابقالتالي
2