الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

والميقات هو الوقت الذي يعد لعمل من الأعمال. ونسميه وقت العمل. وغلب على أشياء في الإِسلام، كمواقيت الحج. ونحن نعلم أن كل عمل وحدث يتطلب أمرين يُظْرَف فيهما، أي يكونان ظرفاً له فلا بد له من مكان يحدث فيه، ومن زمان يحدث فيه كذلك، واسمهما ظرف الزمان، وظرف المكان. إلا أن ظرف الزمان غير قار أي غير ثابت فقد يأتي الصبح ويذهب ويأتي بعده، الظهر، والعصر والمغرب والعشاء. لكن ظرف المكان قار وثابت. والمواقيت - إذن - إمّا أن يتحكم فيها الزمان، وإمّا أن يتحكم فيها المكان، وإمّا أن يتحكم فيها المكان والزمان معاً. فإذا أخذنا المواقيت على أنها زمن كل فعل نجد فريضة " الصوم " لها زمن محدد وهو رمضان. فالذي يتحكم في الصوم هو الزمن، فيكون ويحدث في أي مكان. وكذلك صيام عرفة يتحكم فيه أيضاً الزمان لأنه صيام يوم عرفة، ومن يجلس في أي مكان يصوم يوم عرفة ولكنه غير مطلوب من الحاج. ولكن الوقوف بعرفة يتحكم فيه المكان والزمان معاً. والإِحرام بالحج أو العمرة يتحكم فيه المكان وهو ما يسمى بالميقات المكاني ولكل أهل جهة ميقاتهم المكاني الذي يطلب منهم ألاَّ يمروا عليه إلاَّ وهم محرمون. فمرة يتحكم الزمان، ومرة يتحكم المكان، وثالثة يتحكمان معاً. وجاء موسى لميقاتنا المضروب له بعد أربعين ليلة. وهل جاء موسى للميقات أو جاء في الميقات؟ لقد جاء في الميقات، واللام تأتي بمعنى " عند ". ونعلم أن " اللام " تأتي بمعنى " عند " كثيراً في القرآن، مثل قوله:أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ.. } [الإِسراء: 78]. أي أقم الصلاة عند دلوك الشمس أي عند زوالها عن وسط وكبد السماء إلى غسق الليل. ومن الدلوك إلى الغسق نجد صلاة الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء، وهذه أربعة فروض، وبقي الفرض الخامس وهو الفجر، وقال فيه الحق:وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [الإِسراء: 78]. ولماذا بدأ بدلوك الشمس؟ وهل النهار يبدأ بالظهر أو يبدأ بالصبح؟. إن الإسراء والمعراج كانا ليلاً، ورسول الله جاء صباحاً إلى مكة، وقد فرضت الصلاة في المعراج، فكانت أول فريضة هي الظهر، وكأن الحق يعني خذ الغاية وخذ البداية، وكانت البداية هي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبقي الفجر، وجاء فيه: { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }. ثم يخص الله رسوله بالتهجد وهو قيام الليل إنه فرض على رسول الله دون غيره، فإنه بالنسبة لسائر الأمة تطوع.وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإِسراء: 79]. ومن يتشبه برسول الله فله الثواب الجزيل والأجر العظيم ولكن هذا الأمر مرجعه إلى اختيار المسلم: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ }.

السابقالتالي
2 3 4 5