الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }

ولماذا احتاجت هذه المسألة إلى وحي جديد خصوصاً أنه قد سبق أن تم تدريب موسى على إلقاء العصا؟. ونقول: فيه فرق بين التعليم للإعداد لما يكون، والتنفيذ ساعة يكون، فساعة يأتي أمر التنفيذ يجيء الحق بأمر جديد، فربما يكون قد دخل على بشرية موسى شيء من السحر العظيم، والاسترهاب، هذا ونعلم أن قصة موسى عليه السلام فيها عجائب كثيرة. فقد كان فرعون يقتل الذكران، ويستحيي النساء، وأراد ربنا ألا يُقتل موسى فقال سبحانه:وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ.. } [القصص: 7]. وقوله سبحانه: { أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } يدل على أن العملية المخوفة لم تأت بعد، بل ستأتي لاحقاً. وهات أيَّة امرأة وقل لها: إن كنت خائفة على ابنك من أمر ما فارميه في البحر. من المؤكد أنها لن تصدقك، بل ستسخر منك لأنها ستتساءل: كيف أنجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟. وهذا هو الأمر الطبيعي، لكن نحن هنا أمام وارد من الله إلى خلق الله، ووارد الله لا يصادمه شك. إذن فالخاطر والإِلهام إذا جاء من الله لا يزاحمهما شيء قط. ولا يطلب الإِنسان عليه دليلاً لأن نفسه قد اطمأنت إليه لذلك ألقت أم موسى برضيعها في البحر. ويقدّر الله أنها أم فيقول:وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ.. } [القصص: 7]. ولن يرده إليها فقط، بل سيوكل إليه أمراً جللاً.وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [القصص: 7]. وكأن الحق سبحانه يوضح لأم موسى أن ابنها لن يعيش من أجلها فقط، بل إن له مهمة أخرى في الحياة فسيكون رسولاً من الله. فإذا لم تكن السماء ستحافظ عليه لأجل خاطر الأم وعواطفها، فإن السماء ستحفظه لأن له مهمة أساسية { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }. ونلحظ أن الحق هنا لم يأت بسيرة التابوت لكنه في آية ثانية يقول:إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ.. } [طه: 38-39]. ولم يقل في هذه الآية: { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } لأنه أوضح لها ما سوف يحدث من إلقاء اليم له بالساحل. وقوله في الأولى: { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ }. هو إعداد للحدث قبل أن يجيء، وفي هذه الآية: { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ.. } إلخ.. تجد اللقطات سريعة متتابعة لتعبر عن التصرف لحظة الخطر. لكن في الآية الأولى: { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } نجد البطء والهدوء والرتابة لأنها تحكي عن الإِعداد. لما يكون. إذن فالحق سبحانه وتعالى يعطي كل جنس قانوناً، وكل قانون يجب أن يُحترم في نطاقه، لأن تكافؤ الفرص بين الأجناس هو الذي يريده الله.

السابقالتالي
2 3