الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ }

ومسألة الخلق سبق أن تقدمت في سورة البقرة: خلق آدم، والشيطان، والقضية تتوزع على سبع سور، في سبعة مواضع موجودة في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحج، وسورة الإسراء، وسورة الكهف، وسورة طه، وسورة ص، إلا أن القصة في في كل موضع لها لقطات متعددة، فهنا لقطة، وهناك لقطة ثانية، وتلك لقطة ثالثة، وهكذا لأن هذه نعمة لابد أن يكررها الله لتستقر في أذهان عباده، ولو أنه ذكرها مرة واحدة فقد تُنسى، لذلك يعيد الله التذكير بها أكثر من مرة. وإذا أراد الله استحضار النعم والتنبيه عليها في أشياء، فهو يكررها كما كررها في استحضار النعم في سورة واحدة في قوله سبحانه: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }. إنه يذكر هذه النعم من بدايتها، فيقول:خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 14-28]. وكل نعمة يقول بعدها: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }. وأراد سبحانه بذلك أن يكثر ويردد تكرارها على الآذان لتستقر في القلوب حتى في الآذان الصماء فمرة يأتي بها في شيء ظاهره أنه ليس نعمة، مثل قوله:يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 35-36]. وجاء الحق بذكر كل ذلك لأنه ساعة يجلي لنا الأمور على حقائقها ونحن في دار التكليف فهذه رحمة ونعمة منه علينا لأن ذلك يدعونا إلى اتقاء المحظورات والبعد والتنحي عن المخالفات. ولله المثل الأعلى من قبل ومن بعد، فحين يدخل الابن إلى المدرسة، نقول له: إن قصرت في كذا فسوف ترسب، وأنت بهذا القول ترحمه بالنصيحة، فلم تتركه دون أن تبصره بعواقب الأمور، وأيضاً ساعة ترى شراً يحيق بالكافرين، فإن هذا الأمر يسرك، لأنه لو تساوى الكافرون مع المؤمنين لما كان للإيمان فضل أو ميزة، فالعذاب نقمة على الكافر، ونعمة على المقابل وهو المؤمن. وقد جاءت قصة خلق آدم بكل جوانبها في القرآن سبع مرات لأنها قصة بدء الخلق، وهي التي تجيب عن السؤال الذي يبحث عن إجابته الإنسان لأنه تلفت ليجد نفسه في كون معد له على أحسن ما يكون. ولم يجيء الكون من بعد الإنسان، بل طرأ الإنسان على الكون، وظل السؤال وارداً عن كيفية الخلق، والسؤال مهم أهمية وجود الإنسان في الكون، فأنت تستقرئ أجناساً في الكون، وكل جنس له مهمة، ومهمته متعلقة بك، جماد له مهمة، ونبات له مهمة، وحيوان له مهمة، وكلها تصب في خدمتك أنت لأن الجماد ينفع النبات، ويتغذى منه لكي يغذي الحيوان، والحيوان ينفعك ويغذيك، إذن فكل الأجناس تصب في خدمتك.

السابقالتالي
2 3 4 5