الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، وما دام الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير فلننظر إلى خلق السماء والأرض، يقول سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فاطر: 41]. وحين ننظر إلى الأفق نجد السماء من غير عمد، وهذه مسألة عجيبة، ولذلك يقول سبحانه:بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [الرعد: 2]. وهنا يقول الحق: { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وذلك حتى نعرف أن خلق السماوات والأرض ليست عملية سهلة وهو سبحانه القادر إنّه خلقك أنت بخلق عجيب، وأعجب منه خلق السماوات والأرض، فهو القائل:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57]. وحين ينظر الإنسان في تكوينه يجد أشياء عجيبة، ويتحقق من قول الله:وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21]. وحين تتأمل السماء والأرض تجد دقة الخلق، فكأنه سبحانه قد جعل نفسك مقياساً، إنك ستعلم أحوالها تباعاً وأنك سَتُهْدَي مع الأيام، إلى سر جديد في هذه النفس، هذا السر لم يعرفه الأولون، لكنك حين تتقدم في البحث العلمي وآلات السبر وآلات الاختبار تتعرف وتكتشف هذا الجديد. مثال ذلك ما يسمى بالاستطراق، وكلنا رأينا الأواني المستطرقة التي نضع فيها سائلا ينفذ في أنابيب متعرجة وأخرى مستقيمة، فيرتفع السائل فيها بمستوى واحد وهو ما نسميه بظاهرة الاستطراق، وهناك استطراق مائي، ويوجد أيضاً استطراق حراري، ويتمثل الاستطراق الحراري حين نأتي بالمدفأة في الشتاء ونجلس في الغرفة، ونشعر بالحرارة التي تشع من المدفأة، وأنت تجد نفسك محتفظاً بدرجة حرارتك العادية وهي سبع وثلاثون درجة. ومن العجيب أنها تتساوى في البشر جميعا حتى في القطب الشمالي والقطب الجنوبي!! فلماذا لم تستطرق درجة حرارتك مع الجو؟ ولماذا لم يأخذ الجو البارد من حرارتك لتتساوى درجات الحرارة؟. إن ذلك يثبت أن ذلك ذاتية تجعلك وحدة مستقلة عن الكون الذي تحيا فيه، وتظل درجة حرارتك عند خط الاستواء 37 درجة، وفي القطبين 37 درجة، هذا عجيب، والأعجب من ذلك أن أجزاء جسمك المختلفة تختلف فيها درجة الحرارة، فلو أن درجة حرارة العين 37 درجة لانصهرت لذلك نجد أن درجة حرارة العين تسع درجات فقط، وهناك الكبد الذي تبلغ درجة حرارته أربعين درجة، وكل أعضاء جسمك وهي مجموعة في شكل واحد ومع ذلك لا تستطرق فيها درجة الحرارة. ولذلك قال الحق:وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21]. ومثال آخر من عملية التنفس، فحين تدخل ذرة من غبار في مجرى النفس نجد السعال قد هاجم الإنسان ليطرد هذه الذرة وتجد أنك قد سعلت قسراً إلى أن تطرد هذه الذرة، فهل أنت سعلت بقرار منك؟ لا، بل هو عمل لا إرادي خاضع لنظام دقيق لا يمكن أن يصممه إلا خالق له مطلق الحكمة، وعلى سبيل المثال نجد الكبد محوطا بتغليفات متتابعة ليحتفظ بحرارته التي تبلغ أربعين درجة لأنه لا يؤدي مهمته إلا عند هذه الدرجة.

السابقالتالي
2 3 4