ما الذي كذب به القوم؟ المقصود هو القرآن أو المنهج عامة لأن المنهج الإيماني يشمل القرآن ويشمل ما آتى به الرسول عليه الصلاة والسلام. فالقرآن معجزة مشتملة على الأصول. وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالسُّنة ليبين ويشرِّع. ولذلك نرد على هؤلاء الذين يطلبون كل حكم من الأحكام من القرآن ونقول: إن القرآن جاء معجزة تتكلم عن أصول العقيدة، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتشريعات التي تكمل المنهج، ومثال ذلك عدد الصلوات في كل فرض من الفروض الخمسة وعدد ركعات كل فرض من فروض الصلوات الخمس. إن القرآن لم يذكرها، ولكن أوضحها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو القائل في حديث شريف: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". والرسول صلى الله عليه وسلم مفوض بالتشريع بنص القرآن الكريم:{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [الحشر: 7]. ونحن نصلي كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونزكي بنصاب الزكاة الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحج إلى بيت الله الحرام كما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل سبحانه القرآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من طبق القرآن والسنة.{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل: 44]. أي أن هناك من الأمور العقدية التي أنزلها الحق مجملة في القرآن وفصلها للمؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكليف من الحق. وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة بنص القرآن وهي ضمن طاعة الحق سبحانه وتعالى، فالحق يقول مرة:{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } [آل عمران: 32]. وهنا طاعة الرسول غير مكررة إنها ضمن طاعة الله. ويقول سبحانه مرة أخرى:{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [النور: 54]. أي أن هناك أمراً بإطاعة الله وأمراً بإطاعة الرسول. ومرة ثالثة يقول سبحانه:{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [الحشر: 7]. وكل ذلك حتى نستوعب الأحكام التي التقت السنة فيها بكتاب الله. وحين قال الحق:{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59]. فهو سبحانه لم يأت بطاعة مستقلة لأولي الأمر ولكنه جعلها طاعة من باطن طاعتين هما: طاعة الله، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. ونعود إلى معنى الآية التي نحن بصددها: { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } [الأنعام: 66]. إذن فالذي كذب بوجود الله وكذب بالقرآن هو مكذب للمنهج أيضا. فالمكَذَّب به هنا هو الحق، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، وفي حياتنا اليومية تحدث واقعة ما ويأتي أكثر من شاهد عِيان لها فلا نجدهم يختلفون في رواية الواقعة لأنهم يستوحون واقعاً، لكن إن كان بعض من الشهود لم يروْا الواقعة التي يشهدون عليها تجدهم مضطربين في الأقوال.