الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

نعلم جميعاً أن النوم ليس عملية اختيارية، وفي بعض الأحيان نرى من يسلط الله عليه الهموم فلا يعرف النوم طريقاً إلى جفونه. ونعلم أن النوم عملية قسرية يخلقها الله في الإنسان لتردعه عن الحركة بعد أن يستنفد كل قدرته على التحرك والنوم لون من الردع الذاتي. ولماذا جعل الحق النوم كالوفاة؟ يعرف البعض أن الوفاة في معناها هي فصل الروح عن الجسد. وكأن الحق يقول لنا: إياكم أن تظنوا أن وجود الروح في الجسد هو الذي يعطي للإنسان الحياة والحركة والتصرف، لا، إنني سأحتفظ بالروح في الجسد ولا أقدره على التصرف الاختياري، وذلك حتى لا تفتتنوا في الروح لأن هناك أجهزة لا دخل لاختيارك فيها مثل نبض القلب والتنفس، وغير ذلك من حركات أجهزة الجسم. وضرب لنا الحق المثل بأهل الكهف الذين أنامهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا:وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } [الكهف: 25]. النوم - إذن - نعمة من الله جعلها في التكوين الذاتي، ولذلك إذا أردت أن تنام فليس ذلك بمقدورك ولكنه بمقدور الحق. إنه يقال عن النوم: ضيف إن طلبته عنّتك - أي أتعبك - وإن طلبك أراحك. ويأتي النوم للمتعب حتى ولو نام على حصى، وقد لا يأتي النوم لمن يتهيأ له ولو كان على فراش من حرير. والحق سبحانه يقول:وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [الروم: 23]. النوم - إذن - آية كاملة بمفردها، ولا يأتي النوم بالليل فقط، ولكن يأتي بالنهار أيضاً لأن هناك أعمالاً تتطلبها حركة الوجود ويقوم بها أناس في أثناء الليل لذلك ينامون بالنهار. ويتوفانا سبحانه بالليل ويعلم ما جرحنا في أثناء النهار، ثم يرسلنا إلى أجل يعلمه هو سبحانه، ثم يبعثنا في يوم القيامة لينبئنا بكل أعمالنا. وسمّى الحق النوم وفاة، وسمى الاستيقاظ بعثا لأن الإنسان في مثل هذه الأحوال لا يملك حركته الاختيارية. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف ليعلن بعثته بعد ثلاث سنوات من الدعوة سرّاً: " إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد إنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتجزون بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً، وإنها لجنة أبداً أو لنار أبداً " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش قالوا: مالك؟ قال أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ يصبّحكم أو يمسّيكم أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله سبحانه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ".

السابقالتالي
2