الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }

و " قل " - كما نعلم - هي أمر من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يبلغ ما أمر به الله، وكان يكفي أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا أقول لكم عندي خزائن الله. لكنها دقة البلاغ عن الله، إنّ القرآن توقيفي بمعنى أن كل كلمة فيه نزلت من الله كما هي وبلغها الوحي الأمين لسيدنا رسول الله، وبلغها لنا صلى الله عليه وسلم كما هي، ويدل ذلك على أن أحداً لا يملك التصرف حتى في اللفظ، بل لا بد من أمانة النقل المطلقة. وأبلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحق قد أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً بآية دالة على صدق البلاغ عنه وهي القرآن. وكان يجب على مَن يستقبل هذا البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يستقبله بحق فلا يطلب منه إلا ما يتمشى مع الوصف الذي ادعاه صلى الله عليه وسلم لنفسه. فليس من حق أحد أن يطلب من الرسول آيات غير التي أنزلها الله لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدَّع إلا أنه مبلغ عن الله، فيجب أن تكون المقابلة له في إطار هذا الادعاء. وقد تجاوز الكافرون ذلك عندما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات أخرى، كتفجير بعض الأرض ينابيع مياه، أو أن يكون له بيت من زخرف، ولذلك يوضح له الحق سبحانه أن يبلغهم أنه لا يملك مع الله خزائن السماوات والأرض، فكيف تطلبون بيوتا وقصورا، وكيف تطلبون معرفة الغيب حتى تقبلوا على النافع وتتجنبوا الضار؟. ألا يكفيكم المنهج الإلهي الذي يهديكم إلى صناعة كل نافع لكم ويجنبكم كل أمر ضار بكم؟ ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم إنه يعلم الغيب. وهو بشهادتهم هم يقولون عنه ما جاء بالقرآن الكريم:وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [الفرقان: 7-8]. لقد سخروا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطالبوا أن تكون له آيات أخرى، وتساءلوا كيف يمكن أن يزعم أنه رسول وهو يأكل الطعام كما يأكلون، ويغشى الأسواق لكسب العيش كما يفعل البشر، ولو كان رسولاً لكفاه الله مشقة كسب العيش، ولأنزل إليه مَلكاً يساعده في البلاغ عن الله، أو يلقي إليه الله من السماء بكنز ينفق منه، أو تكون له حديقة غناء يأكل من ثمارها. هذا ما قاله كبار المشركين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وأرادوا أن يصدوا الناس عن الإيمان بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرة يتهمونه بأنه مسحور، ومرة بأنه مجنون، وثالثة بأنه يهذي، ورابعة بأنه كذاب، وخامسة بأنه يتلقى القرآن من أعاجم، ويدحض الحق كل هذه الأكاذيب وكل تلك الافتراءات التي ضلوا بها وأضلوا بها سواهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9