الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

أي أن الحق سبحانه لم يعط الرسل قدرته ليفعلوا ما شاءوا، ولكنهم فقط مبلّغون عن الله، فلا يطلبن منهم أحد آيات لأنهم لا يستطيعون أن يأتوا بالآيات، وكل رسول يعلم أنه من البشر، وهو يستقبل عن الله فقط، ولذلك فلنأخذ الرسل على أنهم مبشرون ومنذرون { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }. ونعرف أن البشارة هي الإخبار بما يسر قبل أن يقع. والسبب في البشارة هو تهيئة السامع لها ليبادر إلى ما يجعل البشارة واقعاً بأن يمتثل إلى المنهج القادم من الإله الخالق. ونعرف أن الإنذار هو الإخبار بما يسوء قبل أن يقع ليحترز السامع أن يقع في المحاذير التي حرمها الله. والبشارة - كما نعلم - تلهب في الراغب في الفعل والمحب له أن يفعل العمل الطيب، والإنذار يحذر ويخوف من يرغب في العمل السيىء ليزدجر ويرتدع. إذن فمهمة الرسل هي البشارة والإنذار، فلا تخرجوا بهم أيها الناس إلى مرتبة أخرى أو منزلة ليست لهم فتطلبوا منهم آيات أو أشياء لأن الآيات والأشياء كلها من تصريف الحق تبارك وتعالى، ومن سوء الأدب أن نُخطّئ الله في الآيات التي أرسلها مع الرسل ونطلب آيات أخرى. إنكم بهذا تستدركون على الله. ويبيّن الحق لنا حدود مهمة الرسل فيقول: { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } [الأنعام: 48]. هذا هو عمل الرسل، فماذا عن عمل الذين يستمعون للرسل؟ إن الحق يقول: { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [الأنعام: 48]. فالمطلوب - إذن - من الذين يستمعون إلى الرسل أن يقبلوا على اختيار الإيمان، وأن يستمعوا إلى جوهر المنهج وأن يطبقوه. فمن آمن منهم وأصلح فلا خوف عليه لأنه قد ضمن الفوز العظيم، ولا يصيبه أو يناله حزن، لأن ناتج عمله كله يلقاه في كتابه يوم القيامة. والإيمان هو اطمئنان القلب إلى قضية عقدية لا تطفو إلى الذهن لتناقش من جديد. ولذلك نسمي الإيمان عقيدة، أي شيئاً انعقد عقداً لا ينحل أبداً. إنّ على المؤمن بربه أن يستحضر الأدلة والآيات التي تجعل إيمانه بربه إيماناً قوياً معقوداً وهذا عمل القلب. ويعرف المؤمن أن عمل القلب لا يكفي كتعبير عن الإيمان لأن الكائن الحي ليس قلباً فقط، ولكنه قلب وجوارح وأجهزة متعددة، وكل ما في الكائن الحي المؤمن يجب أن ينقاد إلى منهج ربه، فلا بد من التعبير عن الإيمان بأن يصلح الإنسان كل عمل فيؤديه بجوارحه أداء صحيحا سليما. إنني أقول ذلك حتى يسمع الذي يقول: إن قلبي مؤمن وسليم. لا، فليست المسألة في الإيمان هكذا، صحيح أنك آمنت بقلبك ولكن لماذا عطلت كل جوارحك عن أداء مطلوب الإيمان؟ لماذا لا تعطي عقلك فرصة ليتدبر ويفكر ويخطط ويتذكر، لماذا لا تعطي العين فرصة لتعتبر وتستفيد من معطيات ما ترى؟ وكذلك اليد، واللسان، والأذن، والقدم، وكل الجوارح.

السابقالتالي
2 3 4