الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

والكافر من هؤلاء إنما ينأى عن مطلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يريد أن يهتدي، ويمعن في طغيانه فينهى غيره عن الإيمان، فكأنه ارتكب جريمتين: جريمة كفره، وجريمة نهي غيره عن الإيمان. لقد كانت قريش على ثقة من أن الذي يسمع القرآن يهتدي به، لذلك أوصى بعضهم بعضاً ألا يسمعوا القرآن، وإن سمعوه فعليهم أن يحرفوا فيه أو أن يصنعوا ضجيجاً يحول بين السامع للقرآن وتدبره.وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [فصلت: 26]. إنهم واثقون من أن القرآن يقهرهم بالحجة ويفحمهم بالبينات، وأنهم لو استمعوا إليه لوجدوا فيه حلاوة وطلاوة تستل من قلوبهم الجحود والنكران. وكأنهم بذلك يشهدون أن للقرآن أثراً في الفطرة الطبيعية للإنسان، وهم أصحاب الملكة في البلاغة العربية. ومع ذلك ظل الكافرون على عنادهم بالرغم من عشقهم للأسلوب والبيان والأداء. ولم يكتفوا بضلال أنفسهم، بل أرادوا إضلال غيرهم، فكأنهم يحملون بذلك أوزارهم وأوزار من يضلونهم، ولم يؤثر ذلك على مجرى الدعوة ولا على البلاغ الإيماني من محمد عليه الصلاة والسلام ذلك أن الحق ينصره على الرغم من كل هذا فهو سبحانه وتعالى القائل:وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 171-173]. وحين يقول الحق سبحانه: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعام: 26]. نعرف أن المقصود بذلك القول هم المعارضون لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد عارضوها لأنها ستسلبهم سلطتهم الزمنية من علو، وجبروت، واستخدام للضعفاء. وذلك ما جعلهم يقفون من الدعوة موقف النكران لها والكفران بها. وما داموا قد وقفوا من الدعوة هذا الموقف، فلم يكن من حظهم الإيمان، ولأنهم نأوا وبعدوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خسروا، أما غيرهم فلم ينأى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إنه أوى إلى الله فآواه الله. إنّ هؤلاء الجاحدين المنكرين لدعوة رسول الله وقفوا أمام دعوته وصدوا الناس عنها ونهوهم عن اتباعها لأن هذه الدعوة ستسلبهم سلطتهم الزمنية من علو وجبروت واستخدام الضعفاء وتسخيرهم في خدمتهم وبسط سلطانهم عليهم. هذا - أولاً - هو الذي دفعهم إلى منع غيرهم ونهيهم عن اتباع الإسلام، ثم هم - ثانياً - ينأون ويبتعدون عن اتباع الرسول، - إذن - فمن مصلحتهم - أولاً - أن ينهوا غيرهم قبل أن ينأوا هم لأنه لو آمن الناس برسول الله وبقوا هم وحدهم على الكفر أيستفيدون من هذه العملية؟ لا يستفيدون - إذن - فحرصهم - أولاً - كان على ألا يؤمن أحد برسول الله لتبقى لهم سلطتهم.

السابقالتالي
2 3