الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

فكأن من لا يُصرف عنه هذا العذاب هو من ينجذب إلى قوة العذاب لأن لنار جهنم شهيقاً يجذب ويسحب إليه الذين قُدِّرَ عليهم العذاب ويقول سبحانه:وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } [الملك: 6-7]. والذين يكفرون بالله لهم العذاب الذي يبدأ بسماع شهيق جهنم في أثناء فورانها. والشهيق كما تعلم هو قوة تجذب وتسحب الهواء إلى الأنف والصدر، فما بالنا بقوة شهيق جهنم وهي تسحب وتجذب الذين وقع عليهم الأمر بالعذاب؟ وهذه النار نفسها ترد على سؤال الحق لها عندما تسمع قوله:يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ق: 30]. إذن فقوة العذاب التي جعلها الله مهمة لجهنم هي التي تلح وتندفع لطلب المزيد من عقاب الكافرين. وسبحانه خلق كل شيء ليؤدي مهمة، والنار مهمتها أن تمتثل لأمر الحق تبارك وتعالى عندما يأمرها بمباشرة مهمتها لذلك فهي تلح في طلب الذين سيتلقون العذاب، ولا تخرج النار أبداً عن أمر الله وقدره، فإن صَرَف الحق العذاب عن عبد من العباد فالنار تمتثل لذلك الأمر. { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ } وسبحانه فعال لما يريد، وهو إن حاسبنا بالعدل فكل منا سيمسه شيء من عذاب جهنم ولكن رحمة الله هي التي تجعل النار لا تمس المؤمنين لأنه سبحانه وتعالى يعفو عن كثير ولأن للنار شهيقاً، فهي تستنشق المكتوب عليهم العذاب، ونعلم أن الشهيق يتم بسرعة أكبر من الزفير. والشهيق في الحياة يكون للهواء. والسبب ازدياد سرعة الشهيق عن الزفير أن في الشهيق مهمة استدامة الحياة الأولى وهي إمداد الجسم بالهواء، والإنسان - كما نعلم - لا يصبر على الهواء إلا لأقل مدة ممكنة. ومن رحمة الله أنه لم يملِّك الهواء لأحد. وهذا الشهيق الذي يعطي الحياة في الأرض يوجد - أيضاً - في الآخرة وهو منسوب إلى النار، إنها تشهق لتبتلع العصاة، وهي بذلك تؤدي مهمتها الموكولة لها. ونعرف أيضاً أن النار تؤدي مهمتها بغيظ طبقاً لما قاله الحق سبحانه:تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [الملك: 8]. فهل تؤدي النار مهمتها وهي غير راضية عنها؟ وهل تختلف النار عن كل كائنات الحق التي تؤدي مهمتها بسعادة وانسجام؟ إن النار تَمَيَّزُ من الغيظ لأن الكافر من هؤلاء لم يعرف قيمة الإيمان، وللنار مشاعر مثل بقية المخلوقات. وللكون كله مشاعر فالكون - على سبيل المثال - قد فرح بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم فالأرض والسماء والنجوم والشجر وكل الكون فرحت بمقدم الرسول الكريم لأن كل هذه الكائنات مسخرة للإنسان وهي مسبحة لله وطائعة بطبيعتها، مثلما يأتي البشير ليهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم ليجعله طائعاً، فهي تفرح بمقدم هذا البشير.

السابقالتالي
2 3