الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

ونعلم أن اليتيم هو من فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال، هذا في الإنسان، أما اليتيم في الحيوان فهو من فقد أمه. وقوله الحق: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.. } [الأنعام: 152]. هنا يفرض سبحانه أن اليتيم له مال، فلم يقل: لا تأكل مال اليتيم. بل أمرك ألاّ تقترب منه ولو بالخاطر، ولو بالتفكير، وعليك أن تبتعد عن هذه المسألة. وإذا كان قد قال: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } فهل هذا الأمر على إطلاقه؟. لا لأنّه أضاف وقال بعد ذلك: { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي بأن نُثَمِّرَ له ماله تثميراً يسع عيشه، ويبقى له الأصل وزيادة، ولذلك قال في موضع آخر:وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } [النساء: 5]. فلا يأخذ أحد مال اليتيم ويدخره، ثم يعطيه منه كل شهر جزءاً حتى إذا بلغ الرشد يجد المال قد نقص أو ضاع، لذلك لم يقل: ارزقوهم منها، بل قال: { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } أي ارزقوهم رزقاً ناشئاً منها. فَمَالُهم ظرفية للرزق، ولا يتأتّى هذا إلا بأن نثمرها لليتيم، ولا نحرم الوصاية على اليتيم لرعاية ماله من أصحاب الكفاءات في إدارة الأعمال والأمناء، وقد يوجد الكفء في إدارة العمل، والأمين فيه لكن حاله لا ينهض بأن يتحمل تبعات ومؤونة حياته وقيامه بإدارة أموال اليتيم فقال - سبحانه - في ذلك:وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } [النساء: 6]. أي أن يهب الوصيّ تلك الرعاية لله، وحين يهب تلك الرعاية لله ولا يأخذ نظير القيام بها أجراً يضمن أنه إن وُجِدَ في ذريته إلى يوم القيامة يتيم فسيجد مَنْ يعوله حسبة لله وتطوعاً منه مدخراً أجره عند الله. والحق هو القائل:وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [النساء: 9]. وحينما يجد اليتيم من يرعاه، وحين يتعاطف المجتمع مع كل يتيم فيه، ويتولى أمور اليتامى أناس أمناء قادرون على إدارة أمورهم فسوف يقل جزع الإنسان من أن يموت ويترك صغاره لأنه سيجد كرامة ورعاية لليتيم، فالناس تخاف من الموت لأن لهم عيالاً صغاراً ويرون أن المجتمع لا يقوم برعاية اليتامى، لكن الإنسان إن وَجَد اليتيم مكُرّماً، ووجد له آباء من الأمة الإسلامية متعددين، فإن جاءه الموت فسوف يطمئن على أولاده لأنهم في رعاية المجتمع، ولكن لا تنتظر حتى يصلح شأن المجتمع بل أصلح من نفسك وعملك تجاه أي يتيم، ويمكنك بذلك أن تطمئن على أولادك فستجد من يرعاهم بعد مماتك، وحين يرعى المجتمع الإيماني كل يتيم ستجد الناس لا تضيق ذرعاً بِقَدَر الله في خلقه بأن يموت الواحد منهم ويترك أولاداً. والمثل واضح في سورة الكهف بين العبد الصالح وسيدنا موسى حينما مرّا على قرية:

السابقالتالي
2 3 4 5 6