الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

و { مَن فِي ٱلأَرْضِ } المقصود بهم المكلفون لأنهم هم من يتميزون بالاختيار ولهم أوامر ونواه، فما دون الإنسان لا أمر له، و " أكثر " لا يقابلها بالضرورة كلمة " قليل " أو " أقل " ، وما دام القول هو: " أكثر ". فقد يكون الباقون كثيراً أيضاً، وأمّا كثير فإنها، تعطي له كميته في ذاته وليست منسوبة إلى غيره، ولذلك كنا نسمع من يقول: مكتوب على محطة مصر أو على " المطار " أو على " الميناء " ، يا داخل مصر منك كثير، أي إن كنت رجلاً طيباً فستجد مثلك الكثير، وإن كنت شريراً فستجد مثلك الكثير أيضاً. ويقول الحق:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ.. } [الحج: 18]. فكل الكائنات مقهورة مسخرة، وعند الناس انقسم الأمر لأن لهم اختياراً، فراح أناس للطاعة وذهب أناس للمعصية، فلم يقل الحق: والناس. بل قال " وكثير من الناس " ، ولم يقل الحق: وقليل حق عليهم العذاب، لكنه قال: { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَاب } فهؤلاء كثير وهؤلاء كثير، وإن نظرت إليهم في ذاتهم فهم كثير، والآخرون أيضاً إذا نظرت إليهم تجدهم كثيراً. ولماذا يقول الحق: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }؟ " الطاعة " - كما نعرف - استجابة للأمر في " افعل " ، والنهي في " لا تفعل " إذا قال الحق للإنسان افعل كذا فالإنسان صالح لأن يفعل، وأن لا يفعل، وإن قال " لا تفعل " فالإنسان صالح أن يفعل، وأن لا يفعل، وإن كان هناك شيء لا تقدر عليه فلن يقول لك: افعله. والإنسان عادة حين يؤمر أو يُنهي إنما يؤمر وينهي لمصلحته، فإن لم يوجد أمام مصلحةٍ معارض من منهج إلهي فهذا من مصلحته أيضاً لأن الله أجاز له حرية الفعل والترك. ويوضح الحق: من رحمتي أن جعلت لكم تشريعاً لأننا لو تركنا الناس إلى أهوائهم فسيأمر كل واحد من الذين لهم السيطرة على الناس بما يوافق هواه، وسينهي كل واحد من الناس بما يخالف هواه لذلك نعصم هذا الأمر بالمنهج. حتى لا يتضارب الخلق ولا يتعاكس هواك مع هوى أخيك. ومن المصلحة أن يوجد مطاع واحد لا هوى له، ويوجد منهج يقول للجميع " افعلوا كذا " و " لا تفعلوا كذا " وبذلك يأتي الاستطراق لنفهم جميعاً. ولذلك يقول الحق: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [الأنعام: 116]. فهناك أناس مؤمنون وهم أصحاب الفطرة السليمة بطبيعتهم لأن الخير هو الفطرة في الإنسان، وقد جاء التشريع لينمي في صاحب الفطرة السليمة فطرته أو يؤكدها له، ويعدل في صاحب النزعة السيئة ليعود به إلى الفطرة الحسنة.

السابقالتالي
2