الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

{ وَكَذَلِكَ } إشارة من الحق سبحانه وتعالى إلى الرسل والأنبياء ليعطي الأسوة للرسول بإخوانه السابقين له في موكب الرسالات، فلست بدعا - يا محمد - في أنك رسول يُواجَه بأعداء، فكل رسول من الرسل ووجه وقوبل بهؤلاء الأعداء. وهل فَتّ أعداء الرسل في عضد مَن أرسل إليهم وأضعفوا قوتهم وأوهنوا عزائمهم وأثنوهم عن دعوتهم؟ أم ظل الرسل أيضاً صامدين؟.. إنهم صمدوا وأيدهم الله ونصرهم وإذا كنت أنت خاتم الرسل، وسيد المرسلين، والمعقب على رسالات سبقتك ولا معقب على رسالتك فلا بد أن يكون الأعداء الذين يواجهونك مناسبين للمهمة التي تؤديها. وإياك أن تظن أن المقصد في هذه العداوة أننا تركناهم أعداء لمجرد العداء، لا، بل نحن قد أردنا هذه العداوة لصالح الدعوة لأن الإنسان إذا ما كان في منهج خير وأهاجه الشر يتحمس لمزيد من الخير. ولذلك لا تجد الصحوات الإيمانية إلا حين يجد المؤمنون تحدياً من خصومهم، هنا تجد الصحوة الإيمانية قد استيقظت لأن هناك خصوماً يتحدونها، ولو لم يكن هناك خصوم لبقيت الصحوة فاترة. وهذا ما نراه حين يوجد من خصوم الإسلام من أي لون من ألوانهم مَن يتحدى أي قضية من قضايا الدين. في هذه الحالة نجد حتى غير الملتزم بمنهج الإسلام يغار على الدين. إذن فالعداوة لها فائدة، وإياك أن تظن أن في أي مظهر في الوجود يُغلب الله على مراداته في كونه، والشر له رسالة لأنه لولا أن الشر موجود ويصاب الناس من أذاه لما تحمس الناس للخير، فالذي يجعلنا نتحمس للخير هو وجود الشر، وأوضحنا من قبل أن الباطل جندي من جنود الحق: لأن الباطل حين يعض ويعربد في الناس يتساءل الناس متى يأتي الحق لينقذنا، وأنك ساعة ترى مريضاً يتألم إياك أن تظن أن الألم قد جاءه دون سبب، بل الألم جندي من جند الشفاء. وكأن الألم يقول لمن يصيبه: يا إنسان تنبه أن عطباً في هذا المكان فسارع إلى علاجه. ولذلك نجد أعنف الأمراض وأشرسها وأخبثها، هي الأمراض التي تأتي بلا ألم يسبقها، ولا تظهر أعراضها إلا أن يستعصي شفاؤها، وهكذا نرى أن الألم جندي من جنود العافية. وحين يكون لك عدو في الحارة أو في البلدة وعيونه مركزة عليك فأنت تخاف أن تقع منك هَنة وعيب حتى لا يشنّع عليك لذلك تسير على الصراط المستقيم لأنك لا تريد أن تنصره على نفسك. والشاعر القديم، الذي أعجبه الشعر فشطره. يقول لك:
عداي لهم فضل عليّ ومنة   فعندي لهم شكر على نفعهم ليا
فهم كدواء والشفاء بمرّه   فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
همُ بحثوا عن زلَّتي فاجتنبتها   فأصبحت مِمَّا دنس العرض خاليا
وهم أججوا جهدي ولكن ببغضهم   وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

السابقالتالي
2 3 4 5