الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ }

الساعة من أسماء يوم القيامة، فهي: الساعة، والحاقة، والصَّاخة، والواقعة، والطامة، وغيرها، وكلُّ وصف من هذه الأوصاف فيه جانب من الفزع والإخافة. ونلاحظ المناسبة بين أواخر النجم وبداية القمر، فهناك قال:أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [النجم: 57] وهنا قال: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ.. } [القمر: 1] وقلنا: إن مجرد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة، نعرف أن الساعة لن تقوم إلا على شرار الخلق حين لا يقال في الأرض: الله، الله. أما أهل القبور، من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى مَنْ مات قبل قيام الساعة، فكما قلنا إن الزمن في حقِّهم متوقف، لأن الزمن فرع الأحداث، فإذا لم توجد الأحداث لا يوجد الزمن. لذلك قال تعالى عنهم:كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } [النازعات: 46] أي: القيامةلَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا } [النازعات: 46] والرجل الذي حاجّ إبراهيم في ربه أماته الله مائة سنة، وقال بعد أنْ أحياه اللهلَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.. } [البقرة: 259]. وقالها أهل الكهف بعد ثلاثمائة سنة وتسع، لأن هذه هي الفترة التي يمكن أنْ يستغرقها النائم في نومه، كذلك ستمر فترة البرزخ على أهل القبور هكذا، وكأنهم ناموا نوْمة وقاموا منها. والله سبحانه وتعالى هو مالك الزمن، وهو القابض والباسط، يقبضه لمَنْ يشاء ويبسطه لمَنْ يشاء. ومعنى { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ.. } [القمر: 1] يعني: هي قريبة منك على المستوى الشخصي، فلا تنظر أنت إلى العلامات الصغرى، ثم إلى العلامات الكبرى وتقول: ما زال الوقت طويلاً بيننا وبين القيامة، لا ليس كذلك يكون تصور القيامة. فالقيامة للإنسان هي أنْ يموت، ليستْ بعد آلاف أو ملايين السنين لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مات فقد قامت قيامته ". نعم لأنه انتقل من مرحلة الدنيا إلى مرحلة الآخرة، وانقطع عمله في الدنيا، والحق سبحانه أبهم وقت الموت ومكانه ليظل الإنسان على ذِكْر له في كل لحظة. وقوله تعالى: { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] انشقاق القمر آية كونية ثابتة بالكتاب والسنة، فقد ورد أن القمر انشقّ لرسول الله حتى ظهر حراء بين الشقين، وقد رأى هذه الآية أهل هذا الزمان ممَّنْ تيسر لهم الرؤية فشاهدوه على هذه الصورة. لا نقول رآه العالم كله، لأن الآيات الكونية معجزات يُراد منها تثبيت الرسل، وبيان صدقهم في البلاغ عن الله، فليس بالضرورة أنْ يرى هذه الآية كلُّ أهل هذا الزمان، كيف ونحن الآن مع التقدم العلمي الهائل وتوفر وسائل الاتصال نسمع عن حدوث خسوف أو كسوف في وقت كذا وكذا، وفعلاً تنقله القنوات المختلفة، ومع ذلك ومع الإعلان عن الظاهرة مُقدِّماً إلا أن القليل هم الذين يتمكنون من رؤيتها، والقمر آية ليلية في وقت معظم الناس فيه نائمون.

السابقالتالي
2 3